وقال ابن محمود في صفحة (16): "من ذلك تذكير الناس بأن المهدي حق، وأنه سيخرج على الناس لا محالة، وأنه يملأ الأرض عدلا، فإن هذا لا يزيد في الإيمان ولا في صالح الأعمال، ويوقع في الناس الافتتان بين مصدق ومكذب".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: لا شك أن المهدي حق، وأنه يخرج في آخر الزمان قطعًا، ويملأ الأرض قسطًا وعدلا، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق -صلوات الله وسلامه عليه- وقد قال الله -تعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.
الوجه الثاني: أن يقال: إن التصديق بما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - يزيد في الإيمان وفي صالح الأعمال بلا شك، كما أن التكذيب بما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ينقص الإيمان، وربما أحبط الأعمال الصالحة كلها، وقد تقدم حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» [رواه مسلم]. وخروج المهدي في آخر الزمان من أنباء الغيب التي أخبر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن لم يؤمن بذلك فهو داخل في حكم هذا الحديث الصحيح.
وتقدم أيضًا قول الإمام أحمد: "من رد أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو على شفا هلكة"، وتقدم أيضًا قول ابن شاقلا: "من خالف الأخبار التي نقلها العدل عن العدل موصولة، بلا قطع في سندها، ولا جرح في ناقليها، وتجرأ على ردها، فقد تهجم على الإسلام"، وتقدم أيضًا عن أبي محمد البربهاري كلام كثير في التشديد في رد الأحاديث الثابتة والطعن فيها، فليراجع ذلك في الجواب عما ذكره ابن محمود في صفحة (5) (?).
الوجه الثالث: أن يقال: قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المهدي يعمل بالسنة، وأن خلقه يطابق خلق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت قبله جورًا وظلمًا، ومن كان بهذه الصفات الحميدة، فالتذكير بخروجه وبأعماله الصالحة يوقع في الفرح والاستبشار بظهور السنة، ونشر القسط والعدل، وإزالة الجور والظلم، ............................