وثلاث مهلكات» فذكر الحديث وفيه: «وأما المهلكات؛ فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه». وقد قال الشاعر، وأحسن فيما قال:
ودعوة المرء تطفي نور بهجته ... هذا بحق فكيف المدعي زللا
ورحم الله امرءًا عرف قدر نفسه.
الوجه الثاني: أن يقال: إن ابن محمود قد أتى في هذه الجملة من كلامه بثالثة الأثافي من التهجم على كبار الأئمة والتعسف في طلب العيوب لهم، فقد سبق له أن تهجم على الشافعي وأحمد في صفحة (8)، وأما في هذا الموضع فقد وجه الطعن إلى شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فزعم أن قوله بصحة خروج المهدي من الاعتقاد السيئ الذي ينسب فيه إلى الخطأ والتقصير، وأن كلمته - أي قوله بصحة خروج المهدي- زلة غرق فيها كثير من العلماء والعوام. هكذا جازف ورمى شيخ الإسلام بما هو بريء منه، وقد روى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، وابن ماجة، عن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت». والمعنى على أحد الأقوال أن من لا يمنعه الحياء يقول ويفعل ما يشاء ولا يبالي، وقد قال الشاعر، وأحسن فيما قال:
لا يضر البحر أمسي زاخرًا ... أن رمى فيه غلام بحجر
الوجه الثالث: أن يقال: قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بخروج المهدي، وروى ذلك عنه عدد كثير من الصحابة؛ منهم علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وجابر، وأم سلمة -رضي الله عنهم- وقد ذكرت أحاديثهم في أول الكتاب (?)، ورواها عن الصحابة جمٌّ غفير من التابعين، ورواها عنهم كثير ممن بعدهم، وخرجها أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم من الأئمة، وصححها كثير من كبار العلماء، ونص كثير منهم على أنها متواترة، وقد ذكرت ذلك في الكلام على قول ابن محمود في صفحة (4) أن أحاديث المهدي غير صحيحة ولا متواترة (?)، فإذا كان ابن محمود يرى أن القول بخروج المهدي من الاعتقاد السيئ ومن زلات العلماء، وأن من قال ذلك نسب إلى الخطأ والتقصير، قيل له يلزم على قولك أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الذين رووا عنه أحاديث المهدي .................................................................