وقال ابن محمود في صفحة (12) وصفحة (13): "لكن قد يعرض لتحقيق ما قلنا قول بعضهم بأن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال بصحة خروج المهدي، وهو العالم المحقق المشهود له بصحيح الرواية وصريح الدراية، وأقول: نعم، وإنني رأيت لشيخ الإسلام قولا يثبت فيه بأنه ورد في المهدي سبعة أحاديث رواها أبو داود، وكنت في بداية نشأتي أعتقد اعتقاد شيخ الإسلام؛ حيث تأثرت بقوله حتى بلغت سن الأربعين من العمر، وبعد أن توسعت في العلوم والفنون ومعرفة أحاديث المهدي وعللها وتعارضها واختلافها، فبعد ذلك زال عني الاعتقاد السيئ والحمد لله، وعرفت تمام المعرفة بأنه لا مهدي بعد رسول الله وبعد كتاب الله، وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هو حبيبنا وليس بربنا ولا نبينا، وقد قيل كم فات على العالم النحرير ما عسى أن ينسب فيه إلى الخطأ والتقصير، وهو كسائر علماء البشر، فلا يحيط بكل شيء علمًا، فقد يحفظ شيئًا وينسى أشياء، إذ الكمال لله -سبحانه- الذي لا راد لحكمه ولا معقب لكلماته، وقد شبهوا زلة العالم بغرق السفينة، يغرق بغرقها الخلق الكثير، وكم غرق في كلمة شيخ الإسلام هذا كثير من العلماء والعوام حين اعتقدوا صحة خروج المهدي، فكان من لقيته من العلماء والعوام يحتج بكلام شيخ الإسلام -رحمه الله-.
ولعل هذا القول خرج منه في بداية عمره قبل توسعه في العلوم والفنون، وهو مجتهد ومأجور على اجتهاده، إذ يقول العالم المحقق قولا ضعيفًا مرجوحًا، فلا يكون المقلد لقوله والمنتصر لرأيه بمثابته في حصول الأجر وحط الوزر، بل فرضه الاجتهاد والنظر، فكم من عالم كان يقول أقوالا في بداية عمره ثم يتبين له ضعفها فيقول بخلافها".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن كلام ابن محمود ظاهر في إعجابه بنفسه، وما أعظم الخطر في ذلك لما رواه الترمذي عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم». قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، قال المنذري: "قوله: "يذهب بنفسه" أي يترفع ويتكبر".
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو لم تذنبوا لخشي عليكم ما هو أكبر منه، العجب» رواه البزار، قال المنذري والهيثمي: "وإسناده جيد"، وروى البزار أيضًا عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ثلاث منجيات ..............