دلالة الأحاديث السابقة:
يستفاد مما تقدم النهي عن بيع الحاضر للباد. وبهذا قال جمهور العلماء1.
والبادي هو من يدخل البلدة من غير أهلها سواءً أكان بدوياً أم من قريةٍ أو بلدةٍ أخرى2.
وإنما نهي أن يبيع حاضرٌ لباد؛ لأنه إذا ترك البادي يبيع سلعته اشتراها الناس برخصٍ ويوسع عليهم السعر، فإذا تولّى الحاضر بيعها وامتنع من بيعها إلا بسعر البلد ضاق على أهل البلد. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى حيث قال: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" 3. وكذلك أيضاً فإن أهل البوادي إذا قدموا بسلعهم يبيعونها بسوق يومهم للمؤنة عليهم في حبسها واحتباسها عليها، ولا يعرف من قلة سلعته وحاجة الناس إليها ما يعلم الحاضر، فيصيب الناس من بيوعهم رزقاً. وإذا توكّل لهم أهل القرية المقيمون تربصوا بها، لأنه لا مؤنة عليهم في المقام بها، فلم يصب الناس ما يكون في بيع أهل البادية4.
وقد قيّد بعض الفقهاء النهي بأن تكون سلعة البادي مما يحتاج الناس إليه5. والأولى حمل النهي على العموم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض"، وكذلك بقية الأحاديث الواردة في النهي.