فقلت: كان صاحب الكرك في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله ونفعنا ببركاته، من شياطين الفرنج ومردتهم، ومن أشدهم عداوة للإسلام وأهله حتى أن نفسه الخبيثة حدثته بالمسير إلى المدينة الشريفة والاستيلاء عليها، وعلى تلك النواحي الطيبة، فحال بينه وبين مراده فرخشاه ابن أخي السلطان، بل وحاصره السلطان بنفسه الشريفة ومعه عساكر الإسلام وفرسانه مرة بعد أخرى صباحًا ومساء، وتناوب عليه الأمراء واحدًا بعد واحد، وأكثروا النكاية في أهله بأخذ أموالهم، وتخريب ديارهم، وتجمع المخذولون وتحزبوا وأوقاع الله في قلوبهم الرعب، وأراهم من تأييده لأهل الإسلام ما لا طاقة لهم به، فذل حينئذ كبيرهم، وخضع، وسأل في الصلح، والمهادنة وأعطى العهود في عدم الغدر فأجيب، وسارت القوافل بين الشام ومصر آمنة إلى أن لاحت لهذا اللعين فرصة فغدر وأخذ قافلة للمسلمين عظيمة، وأسر جمعًا كثيرًا من الجند وغيرهم فش ذلك على السلطان فمن دونه، خصوصًا حين قال: قولوا لمحمد: يخلصكم، وراسله السلطان بتقبيح فعله وقوله، ويتوعده إن لم يطلق الاسرى بكل مكروه فامتنع، وأصر على غيه فنذ السلطان حينئذ استباحة دمه إن ظفر به، فما كان بأسرع من تلك النصرة الهائلة التي عز بها أهل الإسلام، وذل فيها الكفرة الئام واسر ملوك الفرنج ومنهم صاحب الكرك، وآل الأمر إلى أن وفى السلطان نذره، وقتله بعد أن ذكره بذنوبه، وغدره، ونقضه العهود، وقال له: أنا الآن أنتصر منك لمحمد صلى الله عليه وسلم، وكونه عرض عليه الإسلام فأباه، وبعد ذلك ذل سائر الفرنج لا سيما من هو مقيم منهم بقلعة الكرك حين رأوا من توالي الفتوحات ما لم يطرق مسمعهم مثله، وانتزعت منه الأماكن التي قهروا المسلمين بأخذها خصوصًا بيت