وقد بين الغزالي وجه الاستدلال بهذه الأحاديث على أن الإجماع حجة قاطعة بعد أن فرغ من تقرير الدليل من آي الكتاب الحكيم.
فقال: "المسلك الثاني: وهو الأقوى التمسك بقوله _ صلى الله عليه وسلم _ "لا تجتمع أمتي على الخطأ" وهذا من حيث اللفظ أقوى وأدل على المقصود ولكن ليس بالمتواتر كالكتاب. والكتاب متواتر وليس بنص، فتقرير الدليل أن نقول: تظافرت الرواية عن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ بألفاظ مختلفة مع اتفاق المعنى في عصمة هذه الأمة من الخطأ واشتهر على لسان المرموقين والثقاة من الصحابة كعمر، وابن مسعود وأبي سعيد الخدري، وأنس بن ملك، وابن عمر، وأبي هريرة، وحذيفة بن اليمان، وغيرهم ممن يطول ذكرهم" وبعد أن ذكر تلكم الأحاديث قال: "وهذه الأخبار لم تزل ظاهرة في الصحابة والتابعين إلى زماننا هذا لم يدفعها أحد من أهل النقل من سلف الأمة وخلفها، بل هي مقبولة من موافقي الأمة ومخالفيها، ولم تزل الأمة تحتج بها في أصول الدين وفروعه"1. وقرر الشيخ الآمدي في كتابه الإحكام2 أن أقرب الطرق لإثبات كون الإجماع حجة قاطعة هو تلك المرويات عن كبار الصحابة بألفاظ مختلفة مع اتفاق المعنى في عصمة هذه الأمة عن الخطأ والضلالة. وقال ابن قدامة بعد ذكره لتلكم الأحاديث: "هذه الأخبار لم تزل ظاهرة مشهورة في الصحابة والتابعين لم يدفعها أحد من السلف والخلف، وهي وإن لم تتواتر آحادها حصل لنا بمجموعها العلم الضروري أن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ عظم شأن هذه الأمة وبين عصمتها عن الخطأ"3.
وقد ختم الشيخ الخضري بحثه في حجية الإجماع بعد أن فرغ من تقرير الدليل من الكتاب الكريم، فالسنة النبوية المشرفة بقوله:
"إن الأمة الإسلامية في عصور مختلفة قررت أن الإجماع حجة قاطعة حتى كان فقهاء كل عصر ينكرون أشد الإنكار على من خالف رأي مجتهدي السلف، والعادة تقضي أن مثل هذا الاتفاق لا يكون عن مجرد الظنون.