"إن الله _ سبحانه _ جمع بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحا لما جمع بينه وبين المحظور فثبت أن متابعة غير سبيل المؤمنين عبارة عن متابعة قول أو فتوى يخالف قولهم أو فتواهم، وإذا كانت تلك محظورة وجب أن تكون متابعة قولهم وفتواهم واجبة1 بدون شرط اتفاق الجميع فمن باب أولى تكون متابعة ما اتفقوا عليه واجبة فثبت أن الإجماع حجة. وتعتبر هذه الآية أوضح الآيات وأقواها دلالة على حجية الإجماع، فقد روي أن الإمام الشافعي رحمه الله _ عندما سئل عن آية في كتاب الله تدل على أن الإجماع حجة لزم داره ثلاثة أيام مفكرا وقرأ القرآن عدة مرات حتى وجد هذه الآية، ومع ذلك فقد قرر كثير من الأعلام أن الآية ليست نصا في الدلالة على حجية الإجماع2. ومنها قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر} 3.
الاستدلال بالآية: _
1_ أن الله _ تعالى _ قد وصف هذه الأمة بالخيرية، وهذا الوصف يقتضي أن ما اتفقوا عليه يكون حقا واجب الإتباع، لأنه إذا لم يكن حقا كان ضلالا {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} 4.
قال الشوكاني في وجه الاستدلال بهذه الآية: "هذه الخيرية توجب الحقيقة لما اجمعوا عليه، وإلا كان ضلالا"5.
2_ إن الله _ تعالى _ وصفهم بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وهذا الوصف يقتضي أنهم إذا ما اتفقوا على الأمر بشيء كان معروفا يجب العمل به، وإذا ما نهوا عن شيء كان منكرا يجب الامتناع عنه، وهذا يقتضي أن يكون إجماعهم حجة6.
ومنها قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس} 7.
ومعنى جعلناكم أمة وسطا: أي صيرناكم عدولا، لأن الوسط هو العدل في اللغة. قال الشاعر: