لاختلاف عادات الناس وأحوالهم (?).

ولهذا فإن أصحاب المذاهب المتأخرين خالفوا أئمة مذاهبهم في أحكامٍ كثيرة , وكانت ترجع مخالفتهم في ذلك إلى تغيُّر الأعراف والعادات في أزمنتهم, ولو كانوا في أزمنة أئمتهم لقالوا بمثل ماقالوا به (?).

ويُعْتَبر أكثر خلاف المجتهدين في هذا النوع من الأحكام المترتِّبة على العُرف اختلاف عصرٍ وأوانٍ , لا اختلاف حُجَّةٍ وبرهان (?).

وقد تقرَّر عند الفقهاء أنه ليس في اعتبار العادة المتغيِّرة الحادثة مخالَفَةٌ للنصّ , بل هو اتباعٌ للنصّ؛ لأن الشرع أناط الحُكْم المُطْلَق بالعُرف المتغيِّر (?).

وإنَّ عدم اعتبار تغيُّر تلك الأحكام بتغيُّر عادات الناس حسب الأزمنة والأمكنة والأحوال المختلفة يُعْتَبر خلاف الإجماع , وهو من صور الجهل بالشريعة وتصرُّفاتها في الأحكام.

قال القرافي: " إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغيُّر تلك العوائد خلاف الإجماع، وجهالةٌ في الدِّين، بل كلُّ ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغيَّر الحُكْم فيه عند تغيُّر العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجدِّدة" (?).

ومما يجدر التنبيه إليه أن اختلاف الأحكام عند اختلاف العوائد لايُعْتَبر اختلافاً في أصل خطاب الشرع , بل هو رجوع كلِّ عادةٍ إلى الأصل الشرعي الذي يُحُكْم به عليها؛ لأن الأحكام ثابتةٌ تتبع أسبابها حيث كانت.

قال الشاطبي: " واعلم أن ما جرى ذكره هنا من اختلاف الأحكام عند اختلاف العوائد فليس في الحقيقة باختلافٍ في أصل الخطاب ; لأن الشرع موضوعٌ على أنه دائمٌ أبدي، لو فُرِض بقاء الدنيا من غير نهايةٍ والتكليف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015