يُعْتَبر دليل العُرف من أوثق الأدلة الشرعيَّة صِلَةً بالاجتهاد في المناط، وتظهر العلاقة الوثيقة بينهما في جوانب عديدة , من أهمها ما يأتي:
أولاً: من ضوابط الاجتهاد في تحقيق مناطات الأحكام مراعاة اختلاف الأحوال والأزمنة والأمكنة كما تقدَّم (?).
ومن أهم الصور في ذلك: مراعاة المجتهد لاختلاف عادات الناس في أقوالهم وأفعالهم بحسب اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم.
ولذلك اُشترِط في المجتهد أن يكون عارفاً بعادات الناس في عصره وبلده؛ لأن الأحكام المترتِّبة على العُرف تختلف باختلاف الأعصار والأمصار.
قال ابن عابدين: "اعلم أن المسائل الفقهية إما أن تكون ثابتةً بصريح النصِّ وهي الفصل الأول، وإما أن تكون ثابتةً بضرب اجتهادٍ ورأي، وكثيرٌ منها ما يبيِّنه المجتهد على ما كان في عرف زمانه, بحيث لو كان في زمان العُرف الحادث لقال بخلاف ما قاله أولاً، ولذا قالوا في شروط الاجتهاد إنه لابدَّ فيه من معرفة عادات الناس، فكثيرٌ من الأحكام تختلف باختلاف الزمان" (?).
بل لابدَّ أن يميِّز المجتهد بين الأعراف العامة التي تنطبق أحكامها على عامّة الناس , والأعراف الخاصّة التي تنطبق أحكامها على طائفةٍ من الناس, كأصحاب المِهَن والحِرَف المعيَّنة.
وكذلك على المجتهد أن يميِّز بين الأعراف المُعْتَبرة شرعاً , والأعراف الباطلة التي تُصادِم النصوص الشرعية, فلايَعْتبِر الباطل , ويُبطِل المُعْتَبَر.