والأصل في اعتبار قول أهل الخبرة فيما يخفى على غيرهم حديثُ عائشة رضي الله عنها في شأن زيد بن حارثة وابنه أسامة (?) رضي الله عنهما، قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسرورٌ تبرق أسارير وجهه، فقال: أي عائشة، ألم تري أن مجززاً المدلجي دخل فرأى أسامة وزيداً وعليهم قطيفة، وقد غطيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض" (?).
فالحديث يدلُّ على اعتبار رسول الله صلى الله عليه وسلم قولَ القائف، وبناء الأحكام عليه في المسائل التي تدخل فيها القيافة؛ لسروره صلى الله عليه وسلم بما قاله القائف، وإقراره على ذلك، وهو اعتبارٌ لقول أهل الخبرة فيما يختصُّون بمعرفته، ويتوقف بيان حكمه الشرعي على العلم به من جهتهم (?).
وقد اعتنى الفقهاء بتقرير هذا الأصل، واعتمدوا عليه في مسائل لا تُعَدُّ كثرةً، وهي منتشرةٌ في كافَّة أبواب الفقه، بل اعتبروا الخبرة شرطاً في الحُكْم على تلك الوقائع والجزئيات.
قال ابن قدامة: " الخبرة بما يُحُكْم به شرطٌ في سائر الأحكام " (?).
وكلُّ ما انفرد أهل الخبرة فيه بالعلم به وجب على الفقهاء الرجوع إليهم فيه والاعتبار بقولهم، ثم ترتيب الحُكْم الشرعي على ما تقرَّر عندهم فيه؛ ولا يؤخذ العلم بحقيقة الشيء من غير أهل الخبرة فيه، وإن كان من أعلم الناس بالحلال والحرام.
قال ابن تيمية: " .. وكون المبيع معلوماً أو غير معلومٍ لا يؤخذ عن الفقهاء بخصوصهم، بل يؤخذ عن أهل الخبرة بذلك الشيء، وإنَّما المأخوذ عنهم ما انفردوا به من معرفة الأحكام بأدلتها .... فإذا قال أهل الخبرة: إنهم