تقديرٍ ولا تقييد، فوجب ردُّه إلى العُرْفِ لو لم يردُّه إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فكيف وهو الذي ردَّ ذلك إلى العُرْف، وأرشد أُمَّتَه إليه؟ ومن المعلوم أن أهل العُرْفِ إنما يتعارفون بينهم في الإنفاق على أهليهم .. ولو كانت مقدَّرَةً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم هنداً أن تأخذ المُقدَّر لها شرعاً، ولَمَا أمرها أن تأخذ ما يكفيها من غير تقدير، وردَّ الاجتهاد في ذلك إليها .. " (?).
وبهذا يكون العُرْفُ من المسالك التي يعتمد عليها المجتهد في تحقيق مناطات الأحكام الشرعيَّة المطلقة التي ليس لها حدٌّ في الشرع ولا في اللغة، وإذا تغيَّرت تلك الأعراف تغيَّرت أحكامها، وهذا جارٍ في جميع أبواب الفقه التي تترتب أحكامها على العوائد.
قال القرافي: " أجمعوا على أن المعاملات إذا أُطْلِقَ فيها الثمن يُحمَل على غالب النقود، فإذا كانت العادة نقداً مُعَيَّنا حملنا الإطلاق عليه، فإذا انتقلت العادة إلى غيره عيَّنا ما انتقلت العادة إليه، وألغينا الأول؛ لانتقال العادة عنه، وكذلك الإطلاق في الوصايا، والأيمان، وجميع أبواب الفقه المحمولة على العوائد إذا تغيَّرت العادة تغيَّرت الأحكام في تلك الأبواب" (?).
وهو: أن يدلَّ الحِسُّ على ثبوت مناط الحُكْم في بعض أفراده.
والحِسُّ يشمل: النظر، والسمع، والشَّم، واللمسّ، والذوق، وتُسمَّى "الحواس الخمس".
ويُعْتَبر الحِسُّ من المسالك التي يعتمد عليها المجتهد في تحقيق مناطات الأحكام فيما يُدْرك ثبوت المناط فيه بالوقوف على أوصاف حِسِّية (?).
قال الغزالي: " .. ويُعْرَفُ -أي: وجود المناط في الفرع- تارةً بالحِسِّ إن كان الوصف حسِّياً" (?).