المسلك الثاني: العرف.

وهو: أن يدلَّ العُرْفُ على ثبوت مناط الحُكْم في بعض أفراده.

والعُرْفُ في اصطلاح الأصوليين هو: ما استقرَّ في النفوس من جهة العقول، وتلقته الطباع السليمة بالقبول، واستمرَّ عليه جمهور الناس مما لا تَرُدُّه الشريعة (?).

ويُعْتَبر العُرْفُ من أهمِّ المسالك التي يَعْتَمِدُ عليها المجتهدُ في تحقيق مناطات الأحكام الشرعيَّة المطلقة التي ليس لها حدٌّ في الشرع ولا في اللغة، كإحياء الموات، والحِرْز في السرقة، والقبض في البيع، والمعروف في المعاشرة، فإنه يُرْجَعُ فيها حينئذٍ إلى العُرْف؛ وهو معنى القاعدة الفقهية الشهيرة: " العادة مُحَكَّمة" (?).

ومثاله: أن النفقة واجبةٌ على الزوج لزوجاته وأولاده بنصِّ الكتاب والسُّنَّة، ومن ذلك: قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولَهُنَّ عليكم رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بالمعروف" (?)، وقوله صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " (?).

فهذه النصوص الواردة في وجوب النفقة على الزوجة والأولاد لم تحدِّد مقدار الكفاية في تلك النفقة، وإنما رُدَّ فيها الأزواج إلى العُرْفِ لاختلاف الناس في ذلك تبعاً لاختلاف أحوالهم وأزمنتهم وأمكنتهم.

قال ابن القيم: " واللهُ ورسولُه ذَكَرَا الإنفاقَ مطلقاً من غير تحديدٍ ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015