كقول الخصم: أُسَلِّمُ أنَّ السفرجل مطعوم، ولكن لا نُسَلِّم أنَّ الطعم عِلَّة الرِّبا، وقد يُسَلِّم المقدمة الأولى وينازِع في الثانية، كقوله: سَلَّمتُ أنَّ الغصب عِلَّة الضَّمان، ولكن لا نُسَلِّم وجود الغصب في العقار (?).
ثم ذكر أن النزاع إذا وقع في المقدِّمة الأولى لم تثبت إلا بالأدلة الشرعيَّة؛ لأن المُتَنَازَع فيه قضيةٌ شرعيَّة، وهو كون الطعم عِلَّةً مثلاً، فيثبت ذلك بالنصِّ أو الإيماء أو الإجماع أو المناسبة، ونحو ذلك من المسالك الشرعيَّة (?).
أمَّا إذا وقع النزاع في المقدِّمة الثانية - وهو: وجود العِلَّة في الفرع بعد تسليم كون الوصف عِلَّةً - فهذا يُعْرَف تارة بالحِسّ إن كان الوصف حِسِّياً، وقد يُعْرَف بالعُرْف، وقد يُعْرَف باللغة، وقد يُعْرَف بطلب الحِدِّ وتصور حقيقة الشيء في نفسه، وقد يُعْرَف بالأدلة الشرعيَّة النقلية (?).
وما ذكره - هنا - من الطرق التي يُسْتَدَل بها على وجود العِلَّة في الفرع هو ما أسميته: " مسالك تحقيق المناط ".
الموضع الثاني: في كتابه: " أساس القياس " (?) حيث نصَّ على أنَّ تحقيق مناط الحُكْم في فرعٍ ما يُدْرَك بأصولٍ خمسة، وهي: اللغة، والعُرْف، والنظر العقلي، كالنظر في اختلاف الأجناس والأصناف، والحِسّ، والنظر في طبيعة الأشياء وجبلتها وخاصيتها الفطرية (?).
وما ذكره الغزالي في الموضعين لا يُعْتَبر حصراً لهذه المسالك، وإنَّما اقتصاراً على أهمها، لأنَّه لا يُمْكِن حصرها ولا نهاية لها.
وقد أشار الغزالي إلى ذلك بقوله: " فهذه خمسة أصنافٍ من النظريات، وهي: اللُّغوية، والعُرْفية، والعقلية، والحِسِّية، والطبيعية، وفيه أصنافٌ أخرى