وأقوى الحجج وآكدها: إجماع الصحابة رضي الله عنهم على تحريم الحيل وإبطالها، وإجماعهم على ذلك حُجَّةٌ قاطعة (?).
ومن الأمثلة على ذلك:
- إبطال حيلة إسقاط الزكاة ببيع ما في اليد من النصاب قبل حلول الحول ثم استرداده بعد ذلك (?).
- تحريم بيع العينة، وهو أن يشتري سلعةً بثمنٍ مؤجَّلٍ ثم يبيعها إليه بثمن حالٍّ أقلَّ منه، فالبيع - هنا - صوري؛ إذا المقصود هو النقود وليس السلعة (?).
- إبطال نكاح المحلِّل؛ إذ مقصوده من إجراء عقد النكاح تحليل المرأة لزوجها الأول الذي طلَّقها طلاقاً بائناً، ولم يُقْصَد منه نكاح المرأة في الأصل لذاتها، وإنما اتخذ النكاح حيلةً ليطلقها بعد ذلك ثم ينكحها زوجها الأول (?).
ولا يفتأ أهل المكر والحيل المحُرَّمَة يُخْرِجون الباطل في القوالب المشروعة، ويأتون بصور العقود دون حقائقها ومقاصدها، ولاسيما في العصور المتأخرة التي تفشَّى فيها الغشُّ والخداع وضعفت فيها الديانة؛ لذا لابدَّ أن يكون المجتهد حَذِرَاً فَطِنَاً في تصرُّفات الناس، عالماً بأساليب خداعهم ومكرهم (?).
وحاصل القول أن الاجتهاد في تحقيق مناطات الأحكام على أفعال المكلَّفين وأقوالهم يستلزم النظر في مقاصدهم من تلك التصرفات؛ لأن الأحكام تختلف بحسب اختلاف نياتهم ومقاصدهم في الأقوال والأفعال الصادرة عنهم.