القسم الثاني: تصرُّفٌ يفضي غالباً إلى مفسدةٍ راجحة، كبيع السلاح لأهل الحرب في زمن الفتنة بين المسلمين، وبيع العنب لمن يتخذه خمراً، ونحو ذلك، فهذا تصرُّفٌ غير مشروع، لأن غلبة الظنِّ تنزِّل منزلة القطع في الأحكام الشرعيَّة.
قال ابن فرحون (?): " ويُنزِّل منزلة التحقيق الظنُّ الغالب؛ لأن الإنسان لو وجد وثيقةً في تركة مورِّثه، أو وجد ذلك بخطِّة، أو بخطِّ من يثق به، أو أخبره عدلٌ بحقٍّ له، فالمنقول جواز الدعوى بمثل هذا، والحَلِف بمجرَّده، وهذا الأسباب لا تفيد إلا الظنَّ دون التحقيق، لكن غالب الأحكام والشهادات إنما تُبْنَى على الظنّ، وتنزَّل منزلة التحقيق" (?).
وذكر العز بن عبدالسلام أن من طرق معرفة المصالح والمفاسد الدنيوية: " الظنون المُعتَبرات " (?).
القسم الثالث: تصرُّفٌ يفضي نادراً إلى مفسدةٍ مرجوحة، كالقضاء بالشهادة في الدِّماء والأموال والفروج، مع إمكان الكذب والوهم والغلط، لكن ذلك نادرٌ فلم يُعْتَبر، واعتُبِرَت المصلحة الغالبة.
قال الشاطبي: " لأن المصلحة إذا كانت غالبةً فلا اعتبار بالندور في انخرامها؛ إذ لا توجد في العادة مصلحة عريَّةٌ عن المفسدة جملة، إلا أن الشارع إنما اعتبر في مجاري الشرع غلبة المصلحة، ولم يَعْتَبر ندور المفسدة؛ إجراءً للشرعيات مجرى العاديات في الوجود " (?).
وبهذا يتبين أن المآل المُعتَبر عند تحقيق مناط الحُكْم في بعض أفراده هو ما كان يقينياً أو غلب على ظنِّ المجتهد حصوله بحسب العادات والتجارب والقرائن التي تفيد الظنون المُعْتَبرة.
فإذا تبيَّن للمجتهد يقيناً أو غلب على ظنِّه أن فعلاً بعينه من أفعال