ولهذا المعنى ردَّ الحنفية التقسيم الحاصر وتنقيح المناط إلى النصِّ، أو الإجماع، أو المناسبة.
قال صدر الشريعة: " وعلماؤنا - رحمهم الله - لم يتعرَّضوا لهذين - أي: التقسيم الحاصر وتنقيح المناط - فإنه على تقدير قبولهما يكون مرجعهما إلى النصِّ أو الإجماع أو المناسبة " (?).
وإذا تبيَّن أن السَّبْر والتقسيم قد يدخل في أكثر الطرق الاجتهادية للنظر في العِلَّة، ولا يُعْتَبر دليلاً مستقلاً في إثبات العِلِّية، فإنه قد يكون طريقاً من طرق تنقيح المناط خادماً للاجتهاد في تهذيب العِلَّة وتعيينها بعد إثباتها بمسلك الإيماء والتنبيه، وعلى هذا يكون السَّبْر والتقسيم من طرق تنقيح المناط الذي تعلَّق الاجتهاد فيه بمسلكي النصِّ والإيماء والتنبيه؛ وذلك لأنه يَعُمُّ مسالك العِلَّة المنصوصة والمستنبَطة، ويصلح الاستدلال به لإثبات العِلَّة بوجهٍ أو بآخر إذا انضمَّ إلى أحد مسالكها المُعْتَبرة.
ولهذا لمّا ذكر الطُّوفي قصة الأعرابي الذي واقع أهله في نهار رمضان (?)، واعتبره مثالاً على تنقيح المناط قال: " فالنبيُّ أَمَرَه بالكفارة في جواب قوله: " واقعت أهلي في رمضان " مع مجيئه على الصفات المذكورة، فربما خُيِّل للسامع أن مجموع الصفات المذكورة مع الوقاع في رمضان هي مناط وجوب الكفارة وعِلُّته، لكن من جملتها ما ليس بمناسبٍ لكونه عِلَّةً ولا جزء عِلَّة، فاحتيج إلى إلغائه وتنقيح العِلَّة وتخليصها بالسَّبْر والتقسيم." (?).
بل إن دليل السَّبْر والتقسيم دليلٌ عامٌّ لا يقتصر الاستدلال به على إثبات العِلَل؛ لأن المُسْتَدِل يذكر الاحتمالات التي لا يخرج عنها موضع النزاع، ثم يبيَّن بطلانها كلها إلا واحداً.
وقد أَكْثَرَ الشيخ الأمين الشنقيطي - رحمه الله- من ذكر أمثلة هذا الدليل كما ورد