عمر ما كان يسأل عنه من متشابه القرآن من قبل أن يراه، علم أنَّه مفتون، قد شغل نفسه بما لا يعود عليه نفعه، وعلم أنَّ اشتغاله بطلب علم الواجبات من علم الحلال والحرام أولى به، وتطلّب علم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى به، فلما علم أنَّه مقبل على ما لا ينفعه، سأل عمرُ اللهَ تعالى أن يمكِّنه منه حتى يُنكِّل به، وحتى يحذر غيره، لأنَّه راعٍ يجب عليه تفقّد رعيّته في هذا وفي غيره، فأمكنه الله تعالى منه"1.
ولهذا فإنَّ من يخوض في المتشابه يستحق الزجر والتأديب ما يردعه ويجعله يكفُّ عن خوضه، روى يزيد بن هارون في مجلسه حديثَ إسماعيل بن خالد، عن قيس بن حازم، عن جرير بن عبد الله في الرؤية وقولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّكم تنظرون إلى ربِّكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر" فقال له رجلٌ في مجلسه: يا أبا خالد ما معنى هذا الحديث؟ فغضب وحرد وقال: "ما أشبهك بصبيغ، وأحوجَك إلى مثل ما فُعل به، ويلك! ومن يدري كيف هذا؟ ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث أو يتكلّم فيه بشيء من تلقاء نفسه إلاَّ من سفه نفسه واستخفَّ بدينه؟ إذا سمعتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتَّبعوه، ولا تبتدعوا فيه، فإنَّكم إن اتّبعتموه ولم تُماروا فيه سلِمتم، وإن لم تفعلوا هلكتم"2. ثم إنَّ مالكاً إضافة إلى ما تقدّم قد يكون قد راعى حُرمة المكان الذي هو فيه، إذا كان السائل قد أتاه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، روي عنه أنَّه قال في قصة أخرى: "لا يُجتمع عند رجل مبتدع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم"3، هذا وبالله وحده التوفيق.