قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "وقد اتفق العلماء على مدح الإيجاز والإتيان بالمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة" 1. وفي استخدام الألفاظ الجميلة والعبارات الطيبة الحسنة تربية اللسان على ما جمل وحسن من الألفاظ، فلا يألف المرء إلا الكلمات التي تجلب خيراً وتدفع شراً.
وفي تعود اللسان على ما حسن من الألفاظ وقوي، تمكين لصاحبه في التنقل بين حديقة الكلمات الغناء، وتسعفه بأحسن العبارات وأجمل الألفاظ.
وهذا ينعكس على سامعيه ومجالسيه، فتجده بينهم محبوب ولكلامه قبول، ولفكرته مستمعون، وأما صاحب الألفاظ البذيئة، فتجده لم يألف لسانه إلا أرذل الألفاظ وأبخسها، فإذا تحدث كان الناس عنه لاهون ولفكرته غير منتبهين يسأم منه جليسه ويئد فكرته بألفاظه، وسوء عباراته، ولنا في القرآن الكريم منهجاً قويماً، في عذوبة ألفاظه، وجزالة عباراته، وفصاحة بيانه، وحلاوة تراكيب ألفاظه حتى قال عنه أحد أعدائه الوليد بن المغيرة، عندما قال له قومه: "قل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له، وأنك كاره له، قال الوليد: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذه، والله إن لقوله الذي يقول: حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، ومغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته"2.
كما أن لنا في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة ولأسوة المباركة، تحدث بأحسن العبارات لفظاً، وأوضحها معناً، وأقواها دلالة، اشتملت على إيجاز في غير إعجاز، ووضوحاً في غير إطناب، فقد أعطي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم.