لقد اهتم أعيان الناس وكبراؤهم قديماً بتعليم أبنائهم وتثقيفهم بالعلوم النافعة المختلفة، مع عناية خاصة باللغة العربية وآدابها؛ وذلك لمعرفتهم بأهميتها في تثقيف اللسان، وغرس الآداب، وتحسين البيان، وأنها أس لفهم دين الإسلام من مصادره، وأنها زينة في مجالس العلماء والأدباء، وهذا انعكس على رفعة مكانة علماء اللغة العربية، وتصدرهم مجالس الخلفاء والأمراء، وأصبح مشاهيرهم معلمين لأبناء الخلفاء، وهذه شواهد تؤكد حقيقة ذلك.
قال الأحمر النّحويّ: بعث إليّ الرشيد لتأديب ولده محمد الأمين، فلما دخلت قال يا أحمر إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه فصَيَّر يدك عليه مبسوطة، وطاعتك عليه واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن وعرفه الآثار، وروّه الأشعار، وعلمه السنن، وبصره مواقع الكلام وبدأه، وامنعه الضحك إلا في أوقاته 1.
وممن قام بتأديب الأمين والمأمون عالم اللغة العربية أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي، الذي أخرجه الخليفة هارون الرشيد من طبقة المؤدبين إلى طبقة الجلساء له 2.