فِي الْعِلْمِ أَفْصَحَ صَاحِبُهُ النُّطْقَ بِالْقَوْلِ الْحَقِّ وَكَفَى بِدُعَاءِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} إِلَى آخِرِهِ شَاهِدًا عَلَى أَنَّ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ: {إِلا اللَّهَ} تَامٌّ وَإِلَى أَنَّ عِلْمَ بَعْضِ الْمُتَشَابِهِ مُخْتَصٌّ بِاللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ مَنْ حَاوَلَ مَعْرِفَتَهُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: {فَاحْذَرُوهُمْ} .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَقْلُ مُبْتَلًى بِاعْتِقَادِ حَقِيَّةِ الْمُتَشَابِهِ كَابْتِلَاءِ الْبَدَنِ بِأَدَاءِ الْعِبَادَةِ كَالْحَكِيمِ إِذَا صَنَّفَ كِتَابًا أَجْمَلَ فِيهِ أَحْيَانًا لِيَكُونَ مَوْضِعَ خُضُوعِ الْمُتَعَلِّمِ لِأُسْتَاذِهِ وَكَالْمَلِكِ يَتَّخِذُ علامة يجتاز بِهَا مَنْ يُطْلِعُهُ عَلَى سِرِّهِ وَقِيلَ لَوْ لَمْ يُبْتَلَ الْعَقْلُ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْبَدَنِ لَاسْتَمَرَّ الْعَالِمُ فِي أُبَّهَةِ الْعِلْمِ عَلَى التَّمَرُّدِ فَبِذَلِكَ يَسْتَأْنِسُ إِلَى التَّذَلُّلِ بِعِزِّ الْعُبُودِيَّةِ وَالْمُتَشَابِهُ هُوَ مَوْضِعُ خُضُوعِ الْعُقُولِ لِبَارِئِهَا اسْتِسْلَامًا وَاعْتِرَافًا بِقُصُورِهَا وَفِي خَتْمِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} تَعْرِيضٌ بِالزَّائِغِينَ وَمَدْحٌ لِلرَّاسِخِينَ يَعْنِي مَنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَيَتَّعِظْ وَيُخَالِفْ هَوَاهُ فَلَيْسَ مِنْ أُولِي الْعُقُولِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: الرَّاسِخُونَ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَخَضَعُوا لِبَارِئِهِمْ لِاسْتِنْزَالِ الْعِلْمِ اللَّدُنِّيِّ بَعْدَ أَنِ اسْتَعَاذُوا بِهِ مِنَ الزَّيْغِ النَّفْسَانِيِّ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُتَشَابِهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا إِذَا رُدَّ إِلَى الْمُحْكَمِ
وَاعْتُبِرَ بِهِ عُرِفَ مَعْنَاهُ وَالْآخَرُ مَا لَا سَبِيلَ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ الَّذِي يَتْبَعُهُ أَهْلُ الزَّيْغِ فَيَطْلُبُونَ تَأْوِيلَهُ وَلَا يَبْلُغُونَ كُنْهَهُ فَيَرْتَابُونَ فِيهِ فَيَفْتَتِنُونَ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: قَسَّمَ اللَّهُ آيَاتِ الْقُرْآنِ إِلَى مُحْكَمٍ وَمُتَشَابِهٍ وَأَخْبَرَ عَنِ الْمُحْكَمَاتِ أَنَّهَا أُمُّ الْكِتَابِ لِأَنَّ إِلَيْهَا تُرَدُّ الْمُتَشَابِهَاتُ وَهِيَ الَّتِي تُعْتَمَدُ فِي فَهْمِ