أَنْ يَتَقَدَّمَ الْفَاعِلُ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ مُتَعَلَّقُ غَرَضِ السَّائِلِ وَأَمَّا الْفِعْلُ فَمَعْلُومٌ عِنْدَهُ وَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى السُّؤَالِ عَنْهُ فَحَرِيٌّ أَنْ يَقَعَ فِي الْأَوَاخِرِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ التَّكْمِلَاتِ وَالْفَضَلَاتِ.
وَأَشْكَلَ عَلَى هَذَا {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} فِي جَوَابِ: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا} فَإِنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنِ الْفَاعِلِ لَا عَنِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَفْهِمُوهُ عَنِ الْكَسْرِ بَلْ عَنِ الْكَاسِرِ وَمَعَ ذَلِكَ صَدَرَ الْجَوَابُ بِالْفِعْلِ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْجَوَابَ مُقَدَّرٌ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ إِذْ " بَلْ " لَا تَصْلُحُ أَنْ يَصْدُرَ بِهَا الْكَلَامُ وَالتَّقْدِيرُ: "مَا فَعَلْتُهُ بَلْ فَعَلَهُ ".
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ: حَيْثُ كَانَ السُّؤَالُ مَلْفُوظًا بِهِ فَالْأَكْثَرُ تَرْكُ الْفِعْلِ فِي الْجَوَابِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الِاسْمِ وَحْدَهُ وَحَيْثُ كَانَ مُضْمَرًا فَالْأَكْثَرُ لتصريح بِهِ لِضَعْفِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ الْأَكْثَرِ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} فِي قِرَاءَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.
فَائِدَةٌ
أَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ قَوْمًا خَيْرًا من أصحاب محمد مَا سَأَلُوهُ إِلَّا عَنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً كُلُّهَا فِي الْقُرْآنِ.
وَأَوْرَدَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ بِلَفْظِ " أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا "، وَقَالَ: مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ فِي الْبَقَرَةِ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي} .