لِذَلِكَ أَنَّ الْخَاءَ وَالشِّينَ وَالْيَاءَ فِي تَقَالِيبِهَا تَدُلُّ عَلَى الْعَظَمَةِ نَحْوَ شَيْخٌ لِلسَّيِّدِ الْكَبِيرِ وَخَيْشٌ لِمَا غَلُظَ مِنَ اللِّبَاسِ وَلِذَا وَرَدَتِ الْخَشْيَةُ غَالِبًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ: {مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} .
وَأَمَّا {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} فَفِيهِ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ فَإِنَّهُ فِي وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ وَلَمَّا ذَكَرَ قُوَّتَهُمْ وَشِدَّةَ خَلْقِهِمْ عَبَّرَ عَنْهُمْ بِالْخَوْفِ لِبَيَانِ أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا غِلَاظًا شِدَادًا فَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ تَعَالَى ضُعَفَاءُ ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِالْفَوْقِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعَظَمَةِ فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَلَمَّا كَانَ ضَعْفُ الْبَشَرِ مَعْلُومًا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ الشُّحُّ وَالْبُخْلُ وَالشُّحُّ هُوَ أَشَدُّ الْبُخْلِ قَالَ الرَّاغِبُ الشُّحُّ بُخْلٌ مَعَ حِرْصٍ.
وَفَرَّقَ الْعَسْكَرِيُّ بَيْنَ الْبُخْلِ والضن بِأَنَّ الضَّنَّ أَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ بِالْعَوَارِي وَالْبُخْلَ بِالْهِبَاتِ وَلِهَذَا يُقَالُ هُوَ ضَنِينٌ بِعِلْمِهِ وَلَا يُقَالُ بَخِيلٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَارِيَةِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْهِبَةِ لِأَنَّ الْوَاهِبَ إِذَا وَهَبَ شَيْئًا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْعَارِيَةِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} وَلَمْ يَقُلْ: بِبَخِيلٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ السَّبِيلُ وَالطَّرِيقُ وَالْأَوَّلُ أَغْلَبُ وُقُوعًا فِي الْخَيْرِ وَلَا يَكَادُ اسْمُ الطَّرِيقِ يُرَادُ بِهِ الْخَيْرُ إِلَّا مَقْرُونًا بِوَصْفٍ أَوْ إِضَافَةٍ تُخَلِّصُهُ لِذَلِكَ كَقَوْلِهِ: {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} وَقَالَ الرَّاغِبُ: السَّبِيلُ الطَّرِيقُ الَّتِي فِيهَا سُهُولَةٌ فَهُوَ أَخَصُّ.