السِّينُ
حَرْفٌ يَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ وَيُخْلِصُهُ للاستقبال وينزل مِنْهُ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ فَلِذَا لَمْ تَعْمَلْ فِيهِ. وَذَهَبُ الْبَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّ مُدَّةَ الِاسْتِقْبَالِ مَعَهُ أَضْيَقُ مِنْهَا مَعَ سَوْفَ وَعِبَارَةُ الْمُعْرِبِينَ: حَرْفُ تَنْفِيسٍ وَمَعْنَاهَا حَرْفُ تَوَسُّعٍ لأنها نقلت الْمُضَارِعَ مِنَ الزَّمَنِ الضَّيِّقِ - وَهُوَ الْحَالُ - إِلَى الزَّمَنِ الْوَاسِعِ وَهُوَ الِاسْتِقْبَالُ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا قَدْ تَأْتِي لِلِاسْتِمْرَارِ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} الآية، {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} الآية، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا نَزَلَ بَعْدَ قَوْلِهِمْ: {مَا وَلَّاهُمْ} فَجَاءَتِ السِّينُ إِعْلَامًا بِالِاسْتِمْرَارِ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا لَا يَعْرِفُهُ النَّحْوِيُّونَ بَلِ الِاسْتِمْرَارُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمُضَارِعِ وَالسِّينُ بَاقِيَةٌ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ إِذِ الِاسْتِمْرَارُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
قَالَ: وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مَحْبُوبٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَفَادَتْ أَنَّهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ وَلَمْ أَرَ مَنْ فَهِمَ وَجْهَ ذَلِكَ وَوُجِّهَ أَنَّهَا تفيد الوعد في محصول الْفِعْلِ فَدُخُولُهَا عَلَى مَا يُفِيدُ الْوَعْدَ أَوِ الْوَعِيدَ مُقْتَضٍ لِتَوْكِيدِهِ وَتَثْبِيتِ مَعْنَاهُ وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} ، مَعْنَى السِّينِ أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ تَأَخَّرَ إِلَى حِينٍ وَصَرَّحَ بِهِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} : السِّينُ مُفِيدَةٌ وُجُودَ