حَيْثُ
ظَرْفُ مَكَانٍ. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَتَرِدُ لِلزَّمَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ تَشْبِيهًا بِالْغَايَاتِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْجُمَلِ كَلَا إِضَافَةٍ وَلِهَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} : مَا بَعْدَ حَيْثُ صِلَةٌ لَهَا وَلَيْسَتْ بِمُضَافَةٍ إِلَيْهِ يَعْنِي أَنَّهَا غَيْرُ مُضَافَةٍ لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهَا فَصَارَتْ كَالصِّلَةِ لَهَا أَيْ كَالزِّيَادَةِ وَلَيْسَتْ جُزْءًا مِنْهَا. وَفَهِمَ الْفَارِسِيُّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ فَرُدَّ عَلَيْهِ.
وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُعْرِبُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِيهَا عَلَى الْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَعَلَى الْفَتْحِ لِلتَّخْفِيفِ وَتَحْتَمِلُهَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: {مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} بِالْكَسْرِ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ، بِالْفَتْحِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَصَرَّفُ.
وَجَوَّزَ قَوْمٌ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ كَوْنَهَا مَفْعُولًا بِهِ عَلَى السَّعَةِ قَالُوا: وَلَا تَكُونُ ظَرْفًا لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ فِي مَكَانٍ أَعْلَمَ مِنْهُ فِي مَكَانٍ، وَلِأَنَّ المعنى: أنه يَعْلَمُ نَفْسَ الْمَكَانِ الْمُسْتَحِقِّ لِوَضْعِ الرِّسَالَةِ لَا شَيْئًا فِي الْمَكَانِ وَعَلَى هَذَا فَالنَّاصِبُ لَهَا " يَعْلَمُ " مَحْذُوفًا مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِـ" أَعْلَمُ " لَا بِهِ، لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَنْصِبُ الْمَفْعُولَ بِهِ إِلَّا إِنْ أَوَّلْتَهُ بِعَالِمٍ.
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: الظَّاهِرُ إِقْرَارُهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ وَتَضْمِينُ " أَعْلَمَ " مَعْنَى مَا يَتَعَدَّى إِلَى الظَّرْفِ فَالتَّقْدِيرُ: اللَّهُ أَنْفَذُ عِلْمًا حَيْثُ يَجْعَلُ أَيْ هُوَ نَافِذُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.