بِذِكْرِهِ هَذَا مَعَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى إِضَافَةِ الْإِعْجَازِ إِلَى الْقُرْآنِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُعْجِزًا وَلَيْسَ فِيهِ صِفَةُ إِعْجَازٍ بَلِ الْمُعْجِزُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ سَلَبَهُمُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ
وَأَيْضًا فَيَلْزَمُ مِنَ الْقَوْلِ بِالصِّرْفَةِ زَوَالُ الْإِعْجَازِ بِزَوَالِ زَمَانِ التَّحَدِّي وَخُلُوُّ الْقُرْآنِ مِنَ الْإِعْجَازِ وَفِي ذَلِكَ خَرْقٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَنَّ مُعْجِزَةً الرَّسُولِ الْعُظْمَى بَاقِيَةٌ وَلَا مُعْجِزَةَ له بَاقِيَةً سِوَى الْقُرْآنِ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: وَمِمَّا يُبْطِلُ الْقَوْلَ بِالصِّرْفَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْمُعَارَضَةُ مُمْكِنَةً وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهَا الصِّرْفَةُ لَمْ يَكُنِ الْكَلَامُ مُعْجِزًا وَإِنَّمَا يَكُونُ بِالْمَنْعِ مُعْجِزًا فَلَا يَتَضَمَّنُ الْكَلَامُ فَضِيلَةً عَلَى غَيْرِهِ فِي نفسه قال: ليس هَذَا بِأَعْجَبِ مِنْ قَوْلِ فَرِيقٍ مِنْهُمْ إِنَّ الْكُلَّ قَادِرُونَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَإِنَّمَا تَأَخَّرُوا عَنْهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِوَجْهِ تَرْتِيبٍ لَوْ تَعَلَّمُوهُ لَوَصَلُوا إِلَيْهِ بِهِ وَلَا بِأَعْجَبِ مِنْ قَوْلِ آخَرِينَ إِنَّ العجز وقع منهم وأما مَنْ بَعْدَهُمْ فَفِي قُدْرَتِهِ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ وَكُلُّ هَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ.
وَقَالَ قَوْمٌ: وَجْهُ إِعْجَازِهِ مَا فِيهِ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبِلَةِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: ما تضمنه من الإخبار عن قَصَصِ الْأَوَّلِينَ وَسَائِرِ الْمُتَقَدِّمِينَ حِكَايَةَ مَنْ شَاهَدَهَا وَحَضَرَهَا.
وَقَالَ آخَرُونَ: مَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الضَّمَائِرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَقَوْلِهِ: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أن تفشلا} {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ.}