بِعَيْنِ الرَّأْسِ يَنْقَرِضُ بِانْقِرَاضِ مُشَاهِدِهِ وَالَّذِي يُشَاهَدُ بِعَيْنِ الْعَقْلِ بَاقٍ يُشَاهِدُهُ كُلُّ مَنْ جَاءَ بَعْدَ الْأَوَّلِ مُسْتَمِرًّا
قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَيُمْكِنُ نَظْمُ الْقَوْلَيْنِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ مُحَصِّلَهُمَا لَا يُنَافِي بَعْضُهُ بَعْضًا؛ وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُقَلَاءِ أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى مُعْجِزٌ لَمْ يَقْدِرْ وَاحِدٌ عَلَى مُعَارَضَتِهِ بَعْدَ تَحَدِّيهِمْ بِذَلِكَ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} فَلَوْلَا أَنَّ سَمَاعَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَمْ يَقِفْ أَمْرُهُ عَلَى سَمَاعِهِ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً إِلَّا وَهُوَ مُعْجِزَةٌ؛ وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} فَأَخْبَرَ أَنَّ الْكِتَابَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِهِ كَافٍ فِي الدَّلَالَةِ قَائِمٌ مَقَامَ مُعْجِزَاتِ غَيْرِهِ وَآيَاتِ مَنْ سِوَاهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمَّا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ وَكَانُوا أَفْصَحَ الْفُصَحَاءِ ومصا قع الْخُطَبَاءِ وَتَحَدَّاهُمْ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ وَأَمْهَلَهُمْ طُولَ السِّنِينَ فَلَمْ يَقْدِرُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} ثُمَّ تَحَدَّاهُمْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} ثُمَّ تَحَدَّاهُمْ بِسُورَةٍ فِي قَوْلِهِ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} الْآيَةَ ثُمَّ كَرَّرَ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} الْآيَةَ فَلَمَّا عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَالْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ