دين ولهذا كثر فِيهَا مَنْ لَفْظِ الْإِكْمَالِ وَالْإِتْمَامِ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّ مَنِ ارْتَدَّ عوض الله خير مِنْهُ وَلَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ كَامِلًا وَلِهَذَا وَرَدَ أَنَّهَا آخِرُ مَا نَزَلَ لِمَا فِيهَا مِنْ إِشَارَاتِ الْخَتْمِ وَالتَّمَامِ وَهَذَا التَّرْتِيبُ بَيْنَ هَذِهِ السُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْمَدَنِيَّاتِ مِنْ أَحْسَنِ التَّرْتِيبِ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ حَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا اجْتَمَعُوا عَلَى الْقُرْآنِ وَضَعُوا سُورَةَ الْقَدْرِ عَقِبَ الْعَلَقِ اسْتَدَلُّوا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ المراد بهاء الْكِنَايَةُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} الْإِشَارَةُ إِلَى قوله: "اقرأ" قال القاضي أبو بكر ابن الْعَرَبِيِّ وَهَذَا بَدِيعٌ جِدًّا.
فَصْلٌ
قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَمِنْ ذَلِكَ افْتِتَاحُ السُّوَرِ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ وَاخْتِصَاصُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِمَا بُدِئَتْ بِهِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِتَرِدَ "الم" فِي مَوْضِعِ "الر" وَلَا "حم" فِي مَوْضِعِ "طس" قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ سُورَةٍ بُدِئَتْ بِحَرْفٍ مِنْهَا فَإِنَّ أَكْثَرَ كَلِمَاتِهَا وَحُرُوفِهَا مُمَاثِلٌ لَهُ فَحَقَّ لِكُلِّ سُورَةٍ منها ألا يُنَاسِبَهَا غَيْرُ الْوَارِدَةِ فِيهَا فَلَوْ وُضِعَ "ق" مَوْضِعَ "ن" لِعُدِمَ التَّنَاسُبُ الْوَاجِبُ مُرَاعَاتُهُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَسُورَةُ "ق" بُدِئَتْ بِهِ لَمَّا تَكَرَّرَ فِيهَا مِنَ الْكَلِمَاتِ بِلَفْظِ الْقَافِ مِنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ وَالْخَلْقِ وَتَكْرِيرِ الْقَوْلِ وَمُرَاجَعَتِهِ مِرَارًا وَالْقُرْبِ مِنَ ابْنِ آدَمَ وَتَلَقِّي الْمَلَكَيْنِ وَقَوْلِ الْعَتِيدِ وَالرَّقِيبِ وَالسَّائِقِ وَالْإِلْقَاءِ فِي جَهَنَّمَ وَالتَّقَدُّمِ بِالْوَعْدِ وَذِكْرِ الْمُتَّقِينَ وَالْقَلْبِ وَالْقُرُونِ وَالتَّنْقِيبِ فِي الْبِلَادِ وَتَشَقِّقِ الْأَرْضِ وَحُقُوقِ الْوَعِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي سُورَةِ يُونُسَ مِنَ الْكَلِمِ الْوَاقِعِ فِيهَا "الرَّاءُ" مِائَتَا كَلِمَةٍ أَوْ أَكْثَرُ فَلِهَذَا افْتُتِحَتْ بِ "الر"