صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ} الْآيَةَ وَقَالَ فِي طه: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} إِلَى أَنْ قَالَ: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}
وَمِنْهَا أَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ لَمَّا نَزَلَ إِلَى: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} صَادَفَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بَادَرَ إِلَى تَحَفُّظِ الَّذِي نَزَلَ وَحَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ مَنْ عَجَلَتِهِ خَشْيَةً مِنْ تَفَلُّتِهِ فَنَزَلَ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ثم عاد إلى الْكَلَامُ إِلَى تَكْمِلَةِ مَا ابْتُدِئَ بِهِ
قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: وَنَحْوَهُ مالو أَلْقَى الْمُدَرِّسُ عَلَى الطَّالِبِ مَثَلًا مَسْأَلَةً فَتَشَاغَلَ الطَّالِبُ بِشَيْءٍ عَرَضَ لَهُ فَقَالَ لَهُ أَلْقِ إِلَيَّ بَالَكَ وَتَفَهَّمْ مَا أَقُولُ ثُمَّ كَمَّلَ الْمَسْأَلَةَ فَمَنْ لَا يَعْرِفُ السَّبَبَ يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ مُنَاسِبًا لِلْمَسْأَلَةِ بِخِلَافِ مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ
وَمِنْهَا: أَنَّ "النَّفْسَ" لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ عَدَلَ إِلَى ذِكْرِ، نَفْسِ الْمُصْطَفَى كَأَنَّهُ قِيلَ هَذَا شَأْنُ النُّفُوسِ وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ نَفْسُكَ أَشْرَفُ النُّفُوسِ فَلْتَأْخُذْ بِأَكْمَلِ الْأَحْوَالِ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} الْآيَةَ فَقَدَ يُقَالُ أَيُّ رَابِطٍ بَيْنَ أَحْكَامِ الْأَهِلَّةِ وَبَيْنَ حُكْمِ إِتْيَانِ الْبُيُوتِ؟
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِطْرَادِ لِمَا ذَكَرَ أَنَّهَا مَوَاقِيتُ لِلْحَجِّ وَكَانَ هَذَا مِنْ أَفْعَالِهِمْ فِي الْحَجِّ كَمَا ثَبَتَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا ذَكَرَ مَعَهُ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ فِي الْجَوَابِ عَلَى مَا فِي السُّؤَالِ كَمَا سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ"