طَرِيقَةُ الْعَرَبِ مِنَ الِانْتِقَالِ إِلَى غَيْرِ مُلَائِمٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَفِيهِ مِنَ التَّخَلُّصَاتِ الْعَجِيبَةِ مَا يُحَيِّرُ الْعُقُولَ.
وَانْظُرْ إِلَى سُورَةِ الْأَعْرَافِ كَيْفَ ذُكِرَ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْقُرُونُ الْمَاضِيَةُ وَالْأُمَمُ السَّالِفَةُ ثُمَّ ذُكِرَ مُوسَى إِلَى أَنْ قَصَّ حِكَايَةَ السَّبْعِينَ رَجُلًا وَدُعَائِهِ لَهُمْ وَلِسَائِرِ أُمَّتِهِ بِقَوْلِهِ: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ} وَجَوَابُهُ تَعَالَى عَنْهُ ثُمَّ تَخَلَّصَ بِمَنَاقِبِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ بَعْدَ تَخَلُّصِهِ لِأُمَّتِهِ بِقَوْلِهِ: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ} مِنْ صِفَاتِهِمْ كَيْتَ وَكَيْتَ وَهُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ وَأَخَذَ فِي صِفَاتِهِ الْكَرِيمَةِ وَفَضَائِلِهِ
وَفِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ حَكَى قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} فَتَخَلَّصَ مِنْهُ إِلَى وَصْفِ الْمَعَادِ بِقَوْلِهِ: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} الخ
وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ حَكَى قَوْلَ ذِي الْقَرْنَيْنِ فِي السَّدِّ بَعْدَ دَكِّهِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ثُمَّ النَّفْخُ فِي الصُّورِ وَذَكَرَ الحشر ووصف مآل الكفار وَالْمُؤْمِنِينَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخَلُّصِ وَالِاسْتِطْرَادِ أَنَّكَ فِي التَّخَلُّصِ تَرَكْتَ مَا كُنْتَ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَقْبَلْتَ عَلَى مَا تَخَلَّصْتَ إِلَيْهِ وَفِي الِاسْتِطْرَادِ تَمُرُّ بِذِكْرِ الْأَمْرِ الَّذِي اسْتَطْرَدْتَ إِلَيْهِ مُرُورًا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ ثُمَّ تَتْرُكُهُ وَتَعُودُ إِلَى مَا كُنْتَ فِيهِ كَأَنَّكَ لَمْ تَقْصِدْهُ وَإِنَّمَا عَرَضَ عُرُوضًا
قِيلَ: وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي سُورَتَيِ الْأَعْرَافِ وَالشُّعَرَاءِ مِنْ بَابِ الِاسْتِطْرَادِ