فصل
الْمُنَاسِبَةُ فِي اللُّغَةِ الْمُشَاكَلَةُ وَالْمُقَارَبَةُ وَمَرْجِعُهَا فِي الْآيَاتِ وَنَحْوِهَا إِلَى مَعْنًى رَابِطٍ بَيْنَهَا عَامٍّ أَوْ خَاصٍّ عَقْلِيٍّ أَوْ حِسِّيٍّ أَوْ خَيَالِيٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَلَاقَاتِ أَوِ التَّلَازُمِ الذِّهْنِيِّ كَالسَّبَبِ وَالْمُسَبِّبِ وَالْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ وَالنَّظِيرَيْنِ وَالضِّدَّيْنِ وَنَحْوِهِ
وَفَائِدَتُهُ جَعْلُ أَجْزَاءِ الْكَلَامِ بَعْضِهَا آخِذًا بِأَعْنَاقِ بَعْضٍ فَيَقْوَى بِذَلِكَ الِارْتِبَاطُ وَيَصِيرُ التَّأْلِيفُ حَالُهُ حَالُ الْبِنَاءِ الْمُحْكَمِ الْمُتَلَائِمِ الْأَجْزَاءِ فَنَقُولُ ذِكْرُ الْآيَةِ بَعْدَ الْأُخْرَى إِمَّا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَ الِارْتِبَاطِ لِتَعَلُّقِ الْكَلِمِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَعَدَمِ تَمَامِهِ بِالْأَوْلَى فَوَاضِحٌ وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الثَّانِيَةُ لِلْأُولَى عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ أَوِ التَّفْسِيرِ أَوِ الِاعْتِرَاضِ أَوِ الْبَدَلِ وَهَذَا الْقِسْمُ لَا كلام فيه
وإما إلا يَظْهَرَ الِارْتِبَاطُ بَلْ يَظْهَرُ أَنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَنِ الْأُخْرَى وَأَنَّهَا خِلَافُ النَّوْعِ الْمَبْدُوءِ بِهِ
فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى الْأُولَى بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ الْمُشْتَرِكَةِ فِي الْحُكْمِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ مَعْطُوفَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا جِهَةٌ جَامِعَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْسِيمُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} وَقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} لِلتَّضَادِّ بَيْنَ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ وَالْوُلُوجِ وَالْخُرُوجِ وَالنُّزُولِ وَالْعُرُوجِ وَشِبْهِ التَّضَادِّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ التَّضَادُّ ذِكْرُ الرَّحْمَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْعَذَابِ وَالرَّغْبَةِ بَعْدَ الرَّهْبَةِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْقُرْآنِ إِذَا ذَكَرَ