وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90-91] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء:43] وقال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] الآية. أخبر سبحانه بأن الخمر، والميسر فيهما إثم كبير؛ لأن مضرتهما كبيرة، ولا إثم إلا فيما كان ضاراً، فإثم شارب الخمر ينشأ من فساد عقله، وإضعاف القوة العاقلة، فيصدر عنه ما يصدر عن فساد العقل من المخاصمة، والمشاءمة، وقول الفحش، والزور، وإفشاء السر، لاسيما في السياسة الدولية؛ فإن كثيراً من الأسرار الحربية تؤخذ بطريق السكر، وله حوادث كثيرة متكررة، وتعطيل الصلوات، وسائرما يجب عليه، ومخالطة الفساق، والفجار، وغشيان بيوت الدعارة، والملاهي، وضياع الأموال، وغير ذلك مما فساده ظاهر لكل عاقل. هذه مضاره الخلقية، والمالية، وأما مضاره الصحية: إفساد، وفقد شهوة الطعام، وتغيير الخُلُق، فالسكارى تسرع إليهم النشوة، فتجحظ أعينهم، وتمتقع سحنتهم، وتعظم بطونهم. ومرض الكبد، والكلى، وداء السل الذي يفتك في البلاد الأوروبية فتكاً ذريعاً على عناية أهلها بقوانين الصحة، ولكن لا وقاية من شرور السكرإلا بتركه. وقد قيل: إن نحو نصف الوفيات في بعض بلاد أوربا بداء السل.
قال الأستاذ المرحوم السيد رشيد رضا: ولم يكن هذا الداء معروفاً، أو منتشراً في مثل هذه البلاد -مصر- قبل شيوع السكر فيها، فهو من الأدواء التي حملها إليها الأوروبيون، وقد كثُر كثرة فاحشة في مصرعلى أن جوها لا يساعد على انتشاره. وقال أحد أطباء ألمانيا: اقفلوا لي نصف الحانات أضمن لكم الاستغناء عن نصف المستشفيات، والبيمارستانات، والتكايا، والسجون، وقد قال بعض الأطباء: إن المسكر لا يتحول إلى دم كما تتحول سائر الأغذية بعد الهضم، بل يبقى على حاله، فيزاحم الدم في مجاريه، فتسرع حركة الدم، وتختل موازنة الجسم، وتتعطل وظائف الأعضاء، أو تضعف، وتخرج عن وضعها الطبيعي المعتدل. فمن تأثيره في اللسان إضعاف حاسة الذوق، وفي الحلق الالتهاب، وفي المعدة ترشيح العصارة الفاعلة في الهضم حتى يغلظ نسيجها، وتضعف حركتها، وقد يحدث فيها احتقاناً، والتهاباً، وفي الأمعاء التقرح، وفي الكبد تمديده، وتوليد الشَّحم الذي يضعف عمله، وكل هذا يتعلق بما يسمونه: الجهاز الهضمي، ومن تأثيره في الدم: أنه بممازجته له يعيق دورته، وقد يوقفها أحياناً فيموت السكورفجأة. ويضعف مرونة الشرايين، فتمدد، وتغلظ، حتى