ترك ما تخاف ضرره في الآخرة. قال تلميذه العلامة شمس الدين بن قيم الجوزية في كتابه: "مدارك السالكين": هذه العبارة من أحسن ما قيل في الزهد، والورع، وأجمعها. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: الزهد على ثلاثة أوجه: ترك الحرام، وهو زهد العوام. والثاني: ترك الفضول من الكلام، وهو زهد الخواص. والثالث: ترك ما يشغل عن الله، وهو زهد العارفين. ومتعلق الزهد ستة أشياء، لا يستحق العبد اسم الزهد حتى يزهد فيها، وهي المال، والصور، والرياسة، والناس، والنفس، وكل ما دون الله عز وجل، وليس المراد رفضها من الملك، بل المراد رفضها من القلب، فقد كان نبيا الله: سليمان، وداود عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما، ولهما من المال والملك والنساء مالهما. وكان نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزهد البشرعلى الإطلاق وله تسع نسوة. وكان علي بن أبي طالب كرم اله وجهه، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وعثمان من الزهاد مع ما لهم من الأموال، وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما من الزهاد مع أنه كان من أكثر الأمة محبة للنساء، ونكاحًا لهن،وأغناها. وكان عبد الله بن المبارك من الأئمة الزهاد مع مال كثير، وكذلك الليث بن سعد1، وسفيان من أئمة الزهاد، وكان له رأس مال يقول: لولا هو لتمندل بنا هؤلاء.
قال الحافظ زين الدين بن رجب: واعلم: أن الذم الوارد في الكتاب والسنة للدنيا ليس هو راجعًا إلى زمانها الذي هو: الليل، والنهار المتعاقبان إلى يوم القيامة، فإن الله تعالى جعلها خلفةً لمن أراد أن يذكر، أو أراد شكورًا. ويروى عن عيسى عليه السلام: أنه قال: "إن هذا الليل والنهار خزانتان، فانظروا ما تضعون فيهما" وكان يقول عليه الصلاة والسلام: اعملوا، الليل لما خلق له، والنهار لما خلق له. وقال مجاهد2: ما من يوم إلا يقول: ابن آدم! قد دخلت عليك اليوم، ولن أرجع إليك بعد اليوم، فانظر ماذا تعمل في، فإذا انقضى طوى، ثم يختم عليه، فلا يفض حتى يكون