...
12- "إذا تقرَّب إليَّ العبد شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إلي ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتى إلي مشيًا أتيته هرولةً" 1. رواه البخاري عن أنس وأبي هريرة، وأبو عوانة والطبري عن سلمان.
هذا الحديث يدل على أن الله سبحانه وتعالى يتصف بالتقرب، والهرولة، وللعلماء في ذلك مذهبان: مذهب أهل الرعيل الأول من لدن الصحابة إلى آخر القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، وهو أن الله تعالى وتبارك متصف بجميع ما ورد في الكتاب الحكيم، وما جاء في السنة الصحيحة السمحة التي ليلها كنهارها، وعلى الخلق أن تُؤمن بذلك، وتقربلسانها، وتعتقد بجنانها: أن الرب تعالت أسماؤه، وتنزهت صفاته يتصف بها اتصاف ربٍ خالقٍ ليس كمثله شيء، وليس كمثلها شيء، ولا شك، ولاريب أن ما اتصف به خالقنا، ورازقنا يغاير ما اتَّصف به العبد المخلوق المربوب؛ لأن الله تعالى قد أطلق كثيرًا من الأوصاف على ذاته المقدسة في القرآن المجيد التي ليس كمثلها شيء، وأطلقها نفسها على عبده المخلوق الضعيف - راجع كتاب "التوحيد لابن خزيمة" تجد ما يسرك، ويذهب ما اختلج في ضميرك- وإني لأعجب كل العجب من بعض علمائنا المتقدمين، وأساطين المحققين؛ كيف يفرون كل الفرار عندما يسمعون مثل هذه الألفاظ، وأنها تسند إلى الله جل ذكره، وتعالت أسماؤه حقيقة، ويجتهدون لتأويلها طاقتهم، ويوردون تشكيكات، واحتمالات توقع العامي في أمر دينه، وتذهب به المذاهب، وتصرفه عما فُطِر عليه. وماذا عليهم لو وافقوا علماء السلف في ذلك، ووصفوا الله بما وصف به نفسه في محكم تنزيله، وعلى لسان رسوله وحبيبه محمد سيد الأولين، والآخرين، وعليه كان الصحابة أجمعون حقيقة لا مجازًا.
وقالوا عند ذكر كل صفة من صفات الرب الحكيم: ليس كمثله شيء، وهو السميع العليم، وليس كذلك في جانب صفات المخلوق الحادث، فإن صفاته لها مثل، وتتغير، وتتفاوت، ويرطأ عليها ما يضعفها، أو يزيدها قوة إلى غير ذلك مما نشاهده، ونراه.