وقال: هي مُساقة للردعلى النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية، وذلك يقتضي أن يكون المعطوف عليه أعلى درجة منه، حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على عدم استنكافه، وجوابه: أن الآية سيقت للردعلى عبدة المسيح، والملائكة؛ أُريد بالعطف المبالغة باعتبار الكثرة دون التفضيل، كقول القائل: أصبح الأميرلا يخالفه رئيس ولا مرؤوس، وعلى تقدير إرادة التفضيل، كقول القائل: أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرؤوس، وعلى تقدير إرادة التفضيل فغايته تفضيل المقربين ممن حول العرش، بل من هو أعلى رتبةً منهم على المسيح، وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقاً. وقال الطيبي: لا تتم لهم الدلالة إلا إنْ ُسلم أنَّ الآية سيقت للرد على النصاري فقط، فيصحُّ: لن يترفع المسيح عن العبودية، ولا من هو أرفع منه، والذي يدعي ذلك يحتاج إلى إثبات: أن النصارى تعتقد تفضيل الملائكة على المسيح، وهم لا يعتقدون ذلك، بل يعتقدون فيه الإلهية، فلا يتمُّ استدلال من استدَّل به. قال: وسياقه الآن من أسلوب التتميم والمبالغة، لا الترقي، وذلك أنه قدم قوله {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ} [النساء:171] إلى قوله: {وَكِيلًا} فقرر الوحدانية، والمالكية، والقدرة التامة، ثم أتبعه بعدم الاستنكاف، فالتقدير لا يستحق من اتَّصف بذلك أن يستكبر عليه الذي تتخذونه أيها النصارى إلهًا لاعتقادكم فيه الكمال، ولا الملائكة الذي اتَّخذها غيركم آلهة لاعتقادهم فيهم الكمال "قلت": وقد ذكر ذلك البغوي ملخصاً، ولفظه: لم يقل ذلك رفعًا لمقامهم على مقام عيسى، بل ردًا على الذين يدعون أن الملائكة آلهة فرد عليهم كما رد على النصارى الذين يدعون التثليث.

ومنها قوله تعالى: {قُلْ لاأَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام:50] فنفى أن يكون ملكًا، فدل على أنهم أفضل؛ وتعقب بأنه إنما نفى ذلك لكونهم طلبوا منه الخزائن، وعلم الغيب، وأن يكون بصفة الملك من ترك الأكل، والشرب، والجماع، وهو من نمط إنكارهم أن يرسل الله بشرًا مثله، فنفى عنه أنه ملك، ولا يستلزم ذلك التفضيل.

ومنها: أنه سبحانه وتعالى لما وصف جبريل ومحمدًا قال في جبريل: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة:40] وقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] وبين الوصفين بون بعيد، وتعقب بأن ذلك إنما سيق للرد على من زعم أن الذي يأتيه شيطان، وكان وصف جبريل بذلك تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع بمثل ما وصف به جبريل هنا، وأعظم منه. وقد أفرط الزمخشري في سوء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015