الكسائي، وقالهما غيره، وهو اسم لما صدر مقدرًا عن فعل القادر، يُقال: قدرت الشيء، وقدرته-بالتخفيف والتثقيل- بمعنى واحد.
قال الإمام العلامة محيي الدين النووي -رحمه الله تعالى- في شرح مسلم: واعلم أن مذهب أهل الحق إثبات القدر، ومعناه: أن الله تبارك وتعالى قدَّرالأشياء في القدم، وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى، وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وتعالى. وأنكرت القدرية هذا، وزعمت أنه سبحانه وتعالى لم يقدرها، ولم يتقدم علمه سبحانه وتعالى بها، وأنها مستأنفة العلم -إنما يعلمها سبحانه بعد وقوعها- وكذبوا على الله سبحانه وتعالى وجل عن أقوالهم الباطلة علوًا كبيرًا، وسُمِّيت هذه الفرقة قدرية لإنكارهم القدر. قال أصحاب المقالات من المتكلمين: وقد انقرضت القدرية القائلون بهذا القول الشنيع الباطل، ولم يبق أحد من أهل القبلة عليه، وصارت القدرية في الأزمان المتأخرة تعتقد إثبات القدر، ولكن يقولون: الخير من الله والسر من غيره، تعالى الله عن قولهم. والله أعلم.
واعلم: أن العبد وإن كان في الواقع مقدرًا عليه فعل المعصية، ولا بدَّ من وقوعه البتة إلا أنه لم يفعله ولم يقدم على فعله إنجازًا لذلك، وامتثالًا لما قدر عليه، بل فعل ذلك مختارًا، ظاهرًا، ميالًا لما تهواه نفسه وشهواته، لذلك كان مسؤولًا عنه، معاقبًا عليه. قال العلامة أبو بكر بن قيم في "فوائده": رُبَّ ذو إرادة أمر عبدًا ذا إرادة، فإن وفقه، وأراد من نفسه أن يعينه، ويلهمه؛ فعل ما أمر به، وإن خذله، وخلاه وإرادته ونفسه من هذه الحيثية لا يختار إلا ما تهواه نفسه وطبعه، فهو من حيث هو إنسان لا يريد إلا ذلك، ولذلك ذمة الله تعالى في كتابه من هذه الحيثية، ولم يمدحه إلا بأمر زائد على تلك الحيثية، وهو كونه مسلمًا، ومؤمنًا، وصابرًا، ومحسنًا، وشكورًا، وتقيًا، وبرًا، ونحو ذلك وهذا أمر زائد على مجرد كونه إنسانًا، وإرداته صالحة، ولكن لا يكفي مجرد صلاحيتها إن لم تؤيد بقدرٍ زائدٍ على ذلك، وهو التوفيق، كما أنه لا يكفي في الرؤية مجرد صلاحية العين للإدراك إن لم يحصل سبب آخر من النور المنفصل عليها.
وقوله: "فويل" قال الأصمعي1: ويل: قبح، وقد يستعمل عن التحسر، ومن