لا ينقص ما عند الله بالعطاء بقوله: "ذلك بأني جواد، واجد، ماجد، أفعل ما أريد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردت إنما أقول له كُنْ، فيكون"1.
وقال بعضهم في ذلك:
لا تخضعنَّ لمخلوق على طمعٍ ... فإن ذلك مضرٌ منك بالدين
واسترزق اللهَ مما في خزائنِه ... فإنَّما هي بين الكاف والنون
لما بين الله جل جلاله كمال قدرته، وتمام ملكه، وسعه نعمائه، وقوة نفوذه؛ أراد أن يبين لخلقه: أنه تعالى ذكره مع كونه موصوفًا بهذه الصفات الفائقة الحد، والحصر، فلا يترك لعبد من عباده عملًا من الأعمال قل، أو كثر، صغر، أو عظم خيرًا، أو شرًا إلا أحصاه، وكتبه عليه، ثم يرد عليه جزاء ذلك، ويوفيه له على حسبه تامًا لا ينقص منه شيئًا.
قال الإمام العلامة أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية في شرح هذه الجملة: فبين: أنه محسن إلى عباده في الجزاء على أعمالهم الصالحة إحسانًا يستحق به الحمد؛ لأنه هو المنعم بالأمر بها، والإرشاد إليها، والإعانة عليها، ثم إحصائها، ثم توفية جزائها، فكل ذلك فضل منه، وإحسان؛ إذ كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، وهو وإن كان قد كتب على نفسه الرحمة، وكان حقًا عليه نصر المؤمنين، كما تقدم بيانه؛ فليس وجوب ذلك كوجوب حقوق الناس بعضهم على بعض الذي يكون عدلًا، لا فضلًا؛ لأن ذلك إنما يكون لكون بعض الناس أحسن إلى البعض، واستحق المعاوضة، وكان إحسانه إليه بقدرة المحسن دون المحسن إليه، ولهذا لم يكن المتعوضان ليخص أحدهما بالتفضل على الآخر لتكافئهما، وهو قد بين في الحديث: أن العباد لم يبلغوا ضره، فيضروه، ولن يبلغوا نفعه، فينفعوه، فامتنع حينئذ أن يكون لأحد من جهة نفسه عليه حق، بل هو الذي أحق الحق على نفسه بكلماته، فهو المحسن بالإحسان، وبإحقاقه، وكتابته على نفسه، فهو في كتابة الرحمة على نفسه، وإحقاقه نصر عباده المؤمنين، ونحو ذلك محسن إحسانًا مع إحسان، ليتدبر اللبيب هذه التفاصيل التي يتعين بها فصل الخطاب في هذه المواضع التي عظم فيها الاضطراب فمن بين موجب على ربه بالمنع أن يكون محسنًا متفضلًا، ومن بين مسو بين عدله