سبحانه، وتعالى. وفيه إشارة إلى كمال قدرته سبحانه وتعالى، وكمال ملكه، وأن ملكه وخزائنه لا تنفد، ولا تنقص بالعطاء. ولو أعطى الأولين والآخرين من الجن والإنس جميع ما سألوه في مقام واحد. وفي ذلك حث الخلق على سؤاله، وإنزال حوائجهم به. روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت! ولكن ليعزم، وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء" 1. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يد الله ملأى، لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أفرأيتم ما أنفق ربكم منذ خلق السموات والأرض؛ فإنه لم يغض ما في يمينه" 2. وقوله: "لا يغيضها" أي: ينقصها، وقال أبو سعيد الخدري: إذا دعوتم الله؛ فارفعوا في المسألة، فإن ما عنده لا ينفده شيء، وإذا دعوتم؛ فاعزموا، فإن الله لا مستكره له.

وقوله: "لم ينقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخِل البحر" المخيط، والخياط: ما يخاط به، وهي الإبرة، إذا الفعال، والمفعل، والمفعال من صيغ الآلات التي يفعل بها، كالمسعر، والحلاب، والميشار، وهو بكسر الميم، وإسكان الخاء، وفتح الياء. وقوله: "أدخل البحر" بصيغة المجهول، ونصب البحر على ثاني المفعول، وهذا التشبيه من باب تشبيه المفعول بالمحسوس للتفهيم، وقوله ذلك لتحقيق أن ما عنده لا ينقص البتة، كما قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96] فإن البحر إذا غمست فيه إبرة، ثم أخرجت لم تنقص من البحر بذلك شيئًا، وكذلك لو فرض: أنه شرب منه عصفور مثلًا، فإنه لا ينقص من البحر البتة، ولهذا ضرب الخضر لموسى عليهما السلام هذا المثل في نسبة علمهما إلى علم الله عز وجل، وذلك لأن البحر لا يزال تمده مياه الدنيا، وأنهارها الجارية، فمهما أخذ منه لم ينقصه شيء؛ لأنه يمده ما هو أزيد مما أخذ منه، وهكذا طعام الجنة وما فيها، فإنه لا ينقص، كما قال تعالى: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ، لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 32- 33] وقد تبين في الحديث الذي خرَّجه الترمذي، وابن ماجه السب الذي لأجله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015