وقد أدى موقف ابن حنبل وثباته في هذه المحنة إلى تكتل الجماهير حوله وإعجابهم به، سواء أكانوا من العامة أَمْ مِنَ المُحَدِّثِينَ، وَتَعَصَّبُوا لَهُ وَأَجَلُّوا آرَاءَهُ. فإذا أصدر حُكْمًا كان أمرًا لازمًا وَحُكْمًا نَافِذًا. قال علي بن المديني: «إِنَّ اللهَ أَعَزَّ الإِسْلاَمَ بِرَجُلَيْنِ: أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ الرِدَّةِ، وَابْنَ حَنْبَلٍ يَوْمَ المِحْنَةِ». وَقَالَ بِشْرُ الحَافِيُّ: «قَامَ أَحْمَدُ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ، قَدْ تَدَاوَلَتْهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الخُلَفَاءِ بِالضَرَّاءِ وَالحَبْسِ، وَبَعْضُهُمْ بِالإِخَافَةِ وَالإِرْهَابِ، فَمَا تَرَكَ دِينَهُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَبِذَلِكَ صَارَ زَعِيمَ حِزْبٍ عَظِيمٍ مِنْ أَحْزَابِ الإِسْلاَمِ، حَتَّى إِنَّ العَالِمَ إِذَا وَضَعَهُ أَحْمَدُ لَمْ يَرْتَفِعْ، وَإِذَا رَفَعَهُ لَمْ يَنْحَطَّ، وَإِذَا قَالَ فِي وَاحِدٍ: بِئْسَ، نُبِذَ وَلَمْ يَشْهَدُوا حَتَّى جَنَازَتَهُ، وَإِذَا قَالَ فِي عَالِمٍ: نَعْمَ، صَارَ مَقْبُولاً مَحْبُوبًا ...» (?).
هؤلاء المعتزلة الذين أصبحوا أعداء الجمهور الأعظم من المسلمين، والذين كان يقترن بذكرهم صور الإرهاب والاضطهاد وأقوال مستحدثة غريبة عن روح الإسلام - هؤلاء المعتزلة كان منهم من ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة فأدى ذلك إلى استهداف المذهب للحملات، بل حاول بعضهم تشويهه فَرَمَى