لاختلاف المناهج في الأخذ بأخبار الآحاد، وَهَدَتْنَا الموازنة إلى تقارب منهج المذهبين المالكي والحنفي، ووقوفهما في الطرف المقابل لمذهب المحدثين. ثم رأينا أن نوجز القول في المرسل وأقوال الصحابة والتابعين، لدخولهما في مفهوم الآثار.
وقبل أن نختم هذا الباب استخلصنا النتائج التي أسفر عنها الاتجاه إلى الآثار، والتي كان من أهمها توقف أهل الحديث عندما يسألون عما لا نص فيه، وكراهتهم للقياس والفقه التقديري، وكراهتهم تدوين الآراء الفقهية مجردة عن النصوص، وتأليفهم الصحاح والسنن، وقد شرحت مناهج المؤلفين فيها ووازنت بينهم في إثبات اختباراتهم في الفقه، وتفاوت وضوح هذه الاختبارات.
أما الباب الثالث فكان موضوعه اتجاه المحدثين إلى الظاهر، وبعد أن ذكرت عديدًا من الأمثلة على هذا الاتجاه، تعرضت لمذهب أهل الظاهر باعتباره أهم نتيجة له، موضحًا العلاقة التي تربط المحدثين به، مبرزًا مظاهر الاتفاق والاختلاف بين مذهب المحدثين ومذهب أهل الظاهر، معرفًا بأصول الظاهرية، وموقفهم من المذاهب الأخرى، ثم ختمت هذا الفصل بنقد للمذهب الظاهري.
وكان (الاتجاه الخلقي الديني) موضوع الباب الرابع، حيث أثبت فيه أن فقه المحدثين ليس فقهًا شكليًا يقصر اهتمامه على الألفاظ والصور، ولكنه يضيف إلى ذلك اهتمامه بالبواعث النفسية والمقاصد الدينية، ومدى الملاءمة بين عاقبة الفعل ومقاصد الدين. وقد أوضحت الموازنة بين مذهب المحدثين والمذاهب الأخرى في هذا الاتجاه أن المذهبين الحنفي والشافعي يقفان في الطرف المقابل لمذهب المحدثين.
وقد درسنا تأثير هذا الاتجاه على سلوك المحدثين عند الاستنباط حيث كانوا ورعين وجلين، وعلى نظرتهم لموضوعات الفقه حيث أدخلوا فيها