سأله أبو حنيفة عن مسألة فأجابه الشعبي: «مَا يَقُولُ فِيهَا بَنُو اسْتِهَا» - يَعْنِي المَوَالِي - (?).

وكثيرًا ما كان الشعبي وحماد يتناظران، وكثيرًا ما كانت الغلبة في هذه المناظرات لحماد، فيزداد الصراع وتحتدم الخصومة: رَوَى ابْنُ عَبْدِ البَرِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ الشَّعْبِيَّ، وَحَمَّادًا تَمَارَيَا فِي شَيْءٍ إِلَّا غَلَبَهُ حَمَّادٌ إِلَّا هَذَا، سُئِلَ عَنْ القَوْمِ يَشْتَرِكُونَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَهُمْ حُرُمٌ فَقَالَ حَمَّادٌ: " عَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ "، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: " عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ ". ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ: " أَرَأَيْتَ لَوْ قَتَلُوا رَجُلًا أَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ؟ " فَظَهَرَ عَلَيْهِ الشَّعْبِيُّ» (?).

إِنِّي أُرَجِّحُ أَنَّ أكثر ما رُوي عن الشعبي في ذم الرأي والقياس كان بعد وفاة إبراهيم، وتصدر حماد للفتوى، وتفوقه عليه بما أتقنه وَتَمَرَّسَ بِهِ من الأسلوب العقلي، وكثرة المساءلة التي ضاق بها الشَّعْبِيِّ، فَقَالَ: «لَوْ أَنَّ هَؤُلاَءِ كَانُوا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنَزَلَتْ عَامَّةُ القُرْآنِ " يَسْأَلُونَكَ يَسْأَلُونَكَ "» (?).

إن ما تقدم يفسر لنا سبب ضيق الشعبي بحماد وأصحابه حتى أنه لما دخل المسجد فوجد حَمَّادًا وَالحَكَمَ (?) وَأَصْحَابَهُمَا، ولهم أصوات وضوضاء بسبب احتدام المناقشة بينهم - كره أن يقعد بالمسجد ورجع إلى داره وقال: «وَاللهِ لَقَدْ بَغَّضَ إِلَيَّ هَؤُلاَءِ هَذَا المَسْجِدَ حَتَّى تَرَكُوهُ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ كُنَاسَةِ دَارِي» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015