هذه العلاقة المتوترة بين العالمين الجليلين لم يكن سببها اختلاف المنهج العلمي فقط، بل انضم إلى ذلك التنافس، الذِي سَبَّبَ الجفوة والتهاتر بين هذين المتعاصرين، دون أن يؤثر في الحقيقة على مكانة أحدهما، لا عند الناس ولا عند صاحبه: فالشعبي كان حسن الظن بإبراهيم، مُثنِيًا عَلَيْهِ، معترفًا بفضله، على الرغم مما كان بينهما، يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ حِينَ بَلَغَهُ مَوْتُ إِبْرَاهِيمَ - وَكَانَ قَدْ دُفِنَ لَيْلاً مَخَافَةَ الحَجَّاجِ: «لَوْ قُلْتُ أَنْعِي العِلْمَ مَا خَلَّفَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: إِنَّهُ نَشَأَ فِي أَهْلِ بَيْتِ فِقْهٍ، فَأَخَذَ فِقْهَهُمْ ثُمَّ جَالَسَنَا، فَأَخَذَ صَفْوَ حَدِيثِنَا إِلَى فِقْهِ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَمَنْ كَانَ مِثْلَهُ؟، وَالعَجَبُ مِنْهُ حِينَ يُفَضِّلُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَلَى نَفْسِهِ» (?) وَقَالَ أَيْضًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «دَفَنْتُمْ أَفْقَهَ النَّاسِ» فَسَأَلَهُ سَائِلٌ: «وَمِنَ الحَسَنِ؟» فَقَالَ: «أَفْقَهُ مِنَ الحَسَنِ، وَمِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، وَمِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، وَأَهْلِ الشَّامِ، وَأَهْلِ الحِجَازِ» (?).

وإذا كانت المعاصرة واختلاف النظر في تناول الفتوى سببًا فيما كان بين الشعبي وإبراهيم فقد أضيف إلى هذين العاملين عامل ثالث ظاهر على إساءة العلاقة بين الشعبي وحماد (?) الذِي خَلَفَ إبراهيم في حلقته، وهو كون حماد من الموالي. يشير إلى ذلك ما قاله الشعبي مُعْرِضًا بحماد، عندما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015