أما بالنسبة للقضية الثانية، فهي حكم الماء المستعمل. (وهو ما أزيل به حدث، أو استعمل في البدن على وجه القربة).
وقد اختلفت الروايات عن أبي حنيفة في حكم الماء: فروى عنه أنه نجس نجاسة غليظة، وفي رواية أن نجاسته خفيفة، وفي ثالثة أنه طاهر غير مطهر، أي لا يصلح استعماله في طهارة الأحداث، والرواية الأخيرة هي التي عليها الفتوى (?).
وإذا كان الماء المستعمل طاهرًا على رأي الجمهور والراجح من مذهب الأحناف، فهل يجوز استعماله في الوضوء والغسل مرة أخرى؟.
هنالك ثلاثة آراء في ذلك:
- أولها: لا يجوز استعماله في الطهارة. وهذا رأي أبي حنيفة والشافعي.
- والثاني: كراهة استعماله مع وجود غيره، فإذا لم يوجد إلا هو وجب استعماله ولم يجز التيمم وهو مذهب مالك.
- والثالث: جواز استعماله بلا كراهة، إذ لا فرق بينه وبين الماء المطلق. وهو رأي أبي ثور، وأهل الظاهر، وإليه مال البخاري (?).
وما رواه ابن أبي شيبة مما سبق في حديث ابن عباس، يفيد لفظه طهارة الماء المستعمل وصلاحيته لإزالة الحدث، لأن زوجة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغتسلت في الجفنة، فلما أراد أن يتطهر بالماء المستعمل في الجفنة حذرته زوجته. فقال لها: «إِنَّ المَاءَ لَا يُجْنِبُ».
وقد روى أبو داود هذه الرواية بهذا اللفظ لتدل على هذا المعنى تمامًا في (بَابُ المَاءِ لَا يُجْنِبُ) (?).