وأهل الرأي في الأخذ بالحديث، ولهذا لا نستطيع أن نطلق القول بأن أبا حنيفة قد خالف الحديث، اللهم إلا من وجهة نظر المحدثين، فأما من وجهة نظره هو، فإن ما خالفه لا يعتبره حديثًا، ولهذا أثر عنه قوله: «رَدِّي عَلَى كُلِّ رَجُلٍ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلاَفِ القُرْآنِ، لَيْسَ رَدًّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَكْذِيبًا لَهُ، وَلَكِنَّهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُحَدِّثُ عَنْهُ بِالبَاطِلِ، وَالتُّهْمَةُ دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَى نَبِيِّ اللهِ. وَكُلُّ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ وَقَدْ آمَنَّا بِهِ وَشَهِدْنَا أَنَّهُ كَمَا قَالَ، وَنَشْهَدُ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ يُخَالِفُ أَمْرَ اللهِ، وَلَمْ يَبْتَدِعْ، وَلَمْ يَتَقَوَّلْ غَيْرَ مَا قَالَ اللهُ، وَمَا كَانَ مِنَ المُتَكَلِّفِينَ» (?).
وقد قال الشعراني مُدَافِعًا عن أبي حنيفة: «... وَقَدْ تَتَبَّعْتُ بِحَمْدِ اللهِ أَقْوَالَهُ أَوْ أَقْوَالَ أَصْحَابِهِ لَمَّا أَلَّفْتُ كِتَابَ " أَدِلَّةِ المَذَاهِبِ "، فَلَمْ أَجِدْ قَوْلاً مِنْ أَقْوَالِهِ أَوْ أَقْوَالِ أَصْحَابِهِ إِلاَّ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ أَثَرِ أَوْ إِلَى مَفْهُومِ ذَلِكَ، أَوْ حَدِيثٍ ضَعِيفٍ كَثُرَتْ طُرُقُهُ، أَوْ إِلَى قِيَاسٍ صَحِيحٍ عَلَى أَصْلٍ صَحِيحٍ» (?).
واتهام أبي حنيفة بعدم معرفة الحديث، أو قصر معرفته فيه على أحاديث معدودة (?) اتهام غير مقبول، وقصر غير معقول، فقد سمع كثيرًا من التابعين، عراقيين وحجازيين منهم عطاء، ونافع مولى ابن عمر، وهشام بن عروة، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وأبو جعفر محمد بن علي، وأبو إسحاق السبيعي، وعمرو بن دينار، والزهري (?).