الوضوء، فلم جعل الضحك أعلى من ذلك؟ وسوف يجيب الخصم حينئذٍ بأنه ذهب إلى هذا الحديث المروي في هذا الشأن، ثم يقول إسحاق: «وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْتَجَّ فِي الفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا. فَيُقَالُ لَهُ: فَلِمَ عَذُرْتَ نَفْسَكَ أَنْ اتَّبَعْتَ حَدِيثًا [مُنْقَطِعًا] مُرْسَلاً بِإِيجَابِ الوُضُوءِ عَلَى الضَّاحِكِ فِي الصَّلَاةِ، وَعِبْتَ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْ لَحْمِ الجَزُورِ، وَالحَدِيثَانِ مُتَّصِلَانِ أَنَّ الوُضُوءَ مِنْ لَحْمِ الجَزُورِ قَدْ فَعَلَهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَ بِهِ» (?).

وقد يعقب إسحاق على مناقشته التي يلزم فيها خصومه، فيورد عليهم أمثلة لما أنكروه أو تناقضوا فيه، فيقول: «وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا جَمَعَ القَوْمُ، وَيَجْمَعُونَ مَا فَرَّقَ القَوْمُ، قَدْ أَوْلَعُوا بِذَلِكَ» (?).

وقد أثبت إسحاق تغريب المرأة الزانية وإن لم يكن لها محرم، وبعد أن ناقش من أنكر تغريبها قال: «وَلَكِنَّهُمْ أَوْلَعُوا بِأَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَهُ وَرَسُولُهُ» (?).

أما الموضوعات التي أثارت النقاش والجدل بين المحدثين وأهل الرأي فقد استقصاها ابن القيم في كتابه " إعلام الموقعين " (?)، لا باعتبار أنها موضوعات الخلاف، ولكن باعتبارها مآخذ عليها على أهل الرأي، وأظهر بها تناقضهم.

والذي يهمنا من هذه الموضوعات هو ما نص عليه محدثو القرن الثالث أنفسهم، ونقلوه في كتبهم، إذ هو الذي يعكس لنا جوانب من تفكيرهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015