وقد حرص المحدثون على الفقه بهذا المعنى السلفي النابض بالحياة والذي تسري فيه حرارة الإيمان، وتطل منه عين الضمير اليقظة التي تجعل من الإنسان على نفسه رقيبًا، وهذا الفقه الصادر عن حس إلهي، ووجدان ديني، واستمساك بالأخلاق والقيم - لم يكن يتمثل في فقه أي مذهب من المذاهب، في أوضح صورة وأبهاها، كما كان يتمثل في فقه المحدثين.
وقد انعكس هذا التصور للفقه على:
[أ] سلوكهم عند الاستنباط.
[ب] على علاجهم للموضوعات.
[ج] على نظرتهم للأعمال سواء من حيث الباعث عليها، أو من حيث مآلها وصيرورتها، والموافقة بينها وبين المقاصد الدينية والخلقية.
أما سلوك أهل الحديث عند الاستنباط، فيتمثل في انقباضهم عن الإفتاء، وفي وجلهم وترددهم إذا أفتوا، لا يجزمون بالحكم في معظم أحوالهم، وإنما يعبرون عنه بما يشعر به، وبما يشير إلى موقفهم منه، دون أن يصرحوا بتحليل أو بتحريم، حذرًا من أن يتناولهم الذم في قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} (?). وهذا السلوك بما يميزهم عن أهل الظاهر، كما سبق، ومما يميزهم أيضًا عن أهل الرأي الذين كانوا متأثرين بابن مسعود (?).