«مَا كَانَ لابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».
وقد علق النووي على هذا الحديث بقوله: «وَفِيهِ أَنَّ التَّابِعَ إِذَا أَمَرَهُ المَتْبُوعُ بِشَيْءٍ وَفَهِمَ مِنْهُ إِكْرَامَهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، لَا تَحَتُّمُ الْفِعْلُ - فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَلَا يَكُونُ هَذَا مُخَالَفَةً لِلأَمْرِ بَلْ يَكُونُ أَدَبًا وَتَوَاضُعًا وَتَحَذُّقًا فِي فَهْمِ المَقَاصِدِ» (?).
وبهذا الإطراد للقواعد التي ألزم أهل الظاهر أنفسهم بها - جمعوا في مذهبهم بين اليسر في بعض الأحكام، والشدة والتضييق في بعضها الآخر فضلاً عن انفرادهم بأقوال خالفوا فيها كل المذاهب.
فمن ذلك قولهم بنجاسة الكفار، وفي ذلك يقول ابن حزم: «وَلُعَابُ الكُفَّارِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، الكِتَابِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ - نَجِسٌ كُلُّهُ، وَكَذَلِكَ العَرَقُ مِنْهُمْ وَالدَّمْعُ وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْهُمْ ...» ودليله على ذلك قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، لأن الكل ليس شيئًا غير أبعاضه.
«فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ النَّجَاسَةَ التِي فِي الآيَةِ لَيْسَ مَعْنَاهَا النَّجَاسَةُ الحِسِّيَّةُ، بَلْ المُرَادُ بِهَا النَّجَاسَةُ المَعْنَوِيَّةِ - كَانَ رَدُّ ابْنِ حَزْمٍ عَلَى ذَلِكَ: " هَبْكُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، أَيَجِبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ المُشْرِكِينَ طَاهِرُونَ؟ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وَمَا فَهِمَ قَطُّ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، مَعَ قَوْلِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ " أَنَّ المُشْرِكِينَ طَاهِرُونَ».
«فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أُبِيحَ [لَنَا] نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ وَوَطْؤُهُنَّ، قُلْنَا: نَعَمْ، فَأَيُّ دَلِيلٍ فِي هَذَا عَلَى أَنَّ لُعَابَهَا وَعَرَقَهَا وَدَمْعَهَا طَاهِرٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ