نَقْدُنَا لِلْظَّاهِرِيَّةِ:

والحق أن الالتزام بإطراد قواعد مذهب ما، والتطرف في تطبيق هذه القواعد، دون مراعاة للجزئيات والظروف المحيطة بها - هو أهم نقد يوجه إلى أهل الظاهر، وإلى أهل الرأي أيضًا، كما ذكرنا ذلك في بداية حديثنا عن الظاهرية، لأن المهم في النصوص هو الاجتهاد في معرفة مراد الشارع منها، وتعيين ذلك قد يقصر عنه اللفظ لم تقصد لذاتها، بل هي جسر يتوصل بها إلى معرفة المعنى المقصود منها، ومراد المتكلم بها. والعلم بمراد المتكلم يعرف تارة من عموم لفظه، وتارة من عموم علته، فإذا اقتصر على اللفظ فقد يقصر به عمومه، أو يحمله فوق ما يراد به. وكذلك إذا اقتصر على المعنى والعلل، فقد يعمم ما لا يقصد تعميمه، أو يقتصر على بعض إفراد ما يريد به العموم، فالواجب أن يكون عند المجتهد مرونة كافية في فهم النصوص وما يحيط بها، وألا يقيد من حريته في ذلك قاعدة ألزم بها نفسه.

ومما يدل على أهمية القرائن وتأثيرها في فهم النصوص مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَعْضِ المُتَخَاصِمِينَ، فَلَمَّا حَانَتْ الصَّلَاةُ، وَلَمْ يَرْجِعْ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - صَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ، فَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، وَوَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَأَكْثَرَ النَّاسُ مِنَ التَّصْفِيقِ حَتَّى الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَشَارَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ -: أَنْ امْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٌ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ الرَّسُولُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015