المقدم: من الأمور المهمة في هذا الإطار -اتجاهات العقلانيين المعاصرة- التي نود -شيخ ناصر - أن نتحدث عنها موقفهم من المرأة، وحبذا لو كان الحديث عن الثوابت العامة والأصول العامة في هذا الأمر؛ لأن التفاصيل في قضية المرأة والدخول فيها قد يطول.
الشيخ: أولاً: لا بد من أن أشير إلى أن كثيراً من القضايا التي يثيرونها حول المرأة هي من الثوابت، وفيها ما هو قابل للرأي والرأي الآخر، وهذا من أجل أن ننصف، لكنهم -مع الأسف- يلبسون الحق بالباطل، فيدخلون من خلال القضايا التي هي محل للرأي -مثل بعض تفصيلات الحجاب، وبعض تفصيلات قوامة الرجل، وبعض تفصيلات الاختلاط، وبعض التفاصيل التي هي محل خلاف- على الثوابت، وهذا أحياناً يكون متعمداً، وهو في كبارهم، وأحياناً يكون غير متعمد، ولكن نتيجة جهل، ونتيجة قلة فقه في الدين.
فكثير مما يثار حول المرأة هو من الثوابت، وسأشير إلى هذا على جهة الإجمال.
وقبل ذلك أذكر إخواني بأننا نعتقد أن من ثوابتنا التي لا تقبل الجدل: أن ديننا دين شامل كامل محفوظ، وأنه دين صالح لكل زمان ولكل مكان، وأنه -أيضاً- وضع الحلول لكل المشكلات، وإن قصرت الأمة، بمعنى: أن الإسلام يتضمن حلولاً لجميع المشكلات الصغيرة والكبيرة، ويتضمن دواعي نهضة الأمة في كل مكان، وأسباب النصر والنهضة في كل زمان وكل مكان، ولكن المشكلة في ممارسات المسلمين، في تخلفهم عن دينهم، وفي افتراقهم إلى آخر ذلك من الأمور المعروفة.
فما دام أن هذا الثابت محل اتفاق؛ فهناك -إذاً- ثوابت في الإسلام تتعلق بالمرأة، وهي بيت القصيد.
فمن هذه الثوابت: أن المرأة إنسان كالرجل، والمرأة المؤمنة لها حقها كالرجل في الجملة، فهي إنسان كريم له حقوقه، وتوزن المرأة بميزان الإيمان والعمل الصالح كالرجل تماماً؛ لأن الله عز وجل يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]، فلا فرق بين المؤمن والمؤمنة في الحساب عند الله عز وجل وفي الأجر على العمل وفي الحساب على التقصير في الإجمال.
وتبقى بعض التفصيلات حول الواجبات وحول العقوبات الجزئية، وهذه راجعة إلى خصوصية كل جنس من ذكر أو أنثى.
الثابت الثاني: أنه في كثير من الأمور ليس الذكر كالأنثى، وهم يخلطون في هذه القضية، فيقولون: الناس سواسية، ويقولون: المرأة نصف المجتمع، وإذا كانت نصف المجتمع فماذا يعني ذلك؟ إنَّ المرأة كريمة ومحفوظة في الإسلام، ولها حقوقها، وعليها واجبات، وهذا معلوم قطعاً، لكن في كثير من الأمور ليس الذكر كالأنثى.
بل إن هؤلاء من أصحاب الاتجاهات العقلانية يرون أن هناك خصائص للرجل لا يريدون أن يتنازلوا عنها.
المقدم: إذاً دعوى المساواة ليست عملية؟ الشيخ: لأن المساواة في كل شيء مستحيلة، وأما العدل فنعم، وهم يموهون علينا وعلى أجيالنا بقضية المساواة، فهل الرجال يستوون؟ المقدم: لا يستوون.
الشيخ: إذاً: تستحيل المساواة، فكيف يستوي الرجل والمرأة؟! إن المرأة عليها واجبات غير واجبات الرجل، والرجل عليه واجبات غير واجبات المرأة، وتبقى التفاصيل، لكن في الإجمال ليس الذكر كالأنثى.
المقدم: إذاً: هذه الدعوى ليست موضوعية.
الشيخ: ولا يريدون أن تكون موضوعية؛ لأنهم لو جعلوها موضوعية لما طرحوها بهذا الشكل المنكوس المعكوس.
وهناك أمر آخر وهو أن المرأة لها حقوق محفوظة في الإسلام، وعليها حقوق، كما أن الرجل له حقوق وعليه حقوق، فهناك حقوق عامة مشتركة بين الجميع، وهذه ليست محل خلاف، وهناك حقوق وواجبات ليست مشتركة، فيجب أن تبقى للمرأة خصائص تختص بها، وللرجل خصائص يختص بها، سواء في الحقوق أو في أداء الأعمال.
وأمر ثالث: أن هناك قواعد عامة لا تعني الغض من قدر المرأة، وهي أن القوامة للرجل: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:34].
المقدم: وهذا مما ينتقدونه أصلاً.
الشيخ: هذا كلام الله عز وجل العليم الخبير.
المقدم: نعم.
سبحانه.
الشيخ: وأنا أعجب -ولا ينقضي عجبي- من أنهم كثيراً ما يدندنون حول هذه القضية، قضية أن المرأة ظلمت وأن جميع مقاليد الأسرة جعلت بيد الرجل، وأنَّ الرجل سلط على المرأة.
فطريقتهم -كما أشرنا إليها سابقاً- انتقائية، ويبدو لي أنَّ كثيراً منهم يعانون من مشكلات معينة، فيصبونها على المجتمع، أو يحكمون على المجتمع بمعاناتهم، ولا أقول: كلهم.
الأمر الآخر: أنهم يأخذون بعض المشكلات التي تقع فيها مظالم للمرأة فيجعلونها ذريعة لباطلهم، نعم توجد مظالم لها، لكن توحد مظالم للرجل، وأنا أعتقد أنه في الآونة الأخيرة لما نفخت بعض النساء بأكثر مما يطقن ظلمن الرجال، ولذلك نقول: لا مانع من أن يقيموا جمعيات حقوق المرأة، ولكن لماذا لا تقام جمعيات لحقوق الرجل كما تقام للنساء؟! المقدم: لا يريدون هذا.
الشيخ: إذاً: القضية في