المقدم: من الشعارات التي نسمعها أحياناً رميهم لأهل الخير وأهل الحق بالعدوانية، فهل هذا المصطلح له وجاهة؟ الشيخ: الحقيقة كما قال صاحب المثل: رمتني بدائها وانسلت.
فهذا الشعار هو واقعهم في الحقيقة، كما قلنا في مسألة الإقصائية، فهم يرون أن اعتزاز المسلم بدينه، وتمسكه بشعائر الإسلام، وتمييزه بين الحق والباطل، ومناصحته للآخرين، وإنكاره للمنكر نوعاً من الإقصائية، وكذلك نفس العبارة الأخرى التي ذكرتها وهي العدوانية.
فنظراً لأنهم يرون عدم التمييز بين كثير من مظاهر الحق ومظاهر الباطل، ويرون عدم التمييز بين المنكر والمعروف، وبين الفضيلة وغير الفضيلة، ويرون سلوك التمييز إقصائية، وإن كانوا يتفاوتون، لكن في الجملة يضعف عندهم التمييز بين المختلفات، إلا على ضوء مقررات عقلية يرونها.
فمن هنا يرون أن إنكار المنكر، أو عدم قبول الباطل، وعدم التسامح الذي يؤدي إلى تمييع الدين إقصائية.
المقدم: يعني: من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وحاول أن يقيم دين الله عز وجل ويطبق شرع الله يرون أنه عدواني، وأنه شخص لا يحترم آراء الآخرين، ويتهجم عليهم.
الشيخ: نعم، ولعلي أركز على ما يقصدونه بالعدوانية بالدرجة الأولى، فهم يقصدون بالعدوانية: أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فيرون أن إنكارك للمنكر حتى لو كان بحكمة نوع من العدوانية.
ثانياً: البراءة من الباطل وأهل الباطل، وإن كانت بأسلوب حكيم، يرون أن هذا نوع من العدوانية.
ولعلنا -إن شاء الله- في مناسبة أخرى نتكلم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل أوسع.
وأما كيف نرد فهذا -في الحقيقة- يختلف من شخص إلى آخر، أعني الذي يريد أن يرد، أو يريد أن يتخذ موقفاً إيجابياً تجاه هذه المواقف السلبية ضد الخير وأهله، فهذا يختلف من شخص إلى شخص.
فمن كان عنده شيء من العلم فليرد بالتأصيل والتقعيد وبالدليل، وإذا لم يكن عنده شيء من العلم فلا يدخل في التفاصيل، بل ينبغي أن يبدي ما يعرفه من الحق بأسلوب فيه رفق وحكمة وأناة، دون الاستجابة للاستفزاز، أو الاستجابة لردود الأفعال.
ثم إن هذه الأمور طبيعي أن تحدث؛ لأنها ابتلاء، فينبغي لمن يسمع مثل هذه الأمور من السخرية بالمؤمنين، أو سبِّ أهل الخير ألا ينفعل؛ لأنه يعرف أنه بذلك مأجور، وأن الله عز وجل ناصر دينه، وأنه سيدافع عن الذين آمنوا، فيأخذ الأمور بشيء من التدرج والحكمة والصبر، والتثبت من القول؛ إذ إن كثيراً مما يحصل من بعض الغيورين استعجال، فتجد القضية ليست على ما صوروا، فمن هنا لزم التثبت من القالة أو من الموقف، ثم معالجته بشيء من الحكمة والرفق، والرجوع إلى أهل الاختصاص.