وسكناته، وحَوَالَيْه الأعوان كالمرسَّمين عليه، وكلامهم له كلام النظير للنظير، بعد أن كانوا خدمًا بين يديه، وهم ذاهبون به نحو حبس السلطان، وعدوُّه يتصرف فيما كان يتصرف فيه - فإنه يَقْطَع بصدق ما سمعه، لا يداخله في ذلك شكٌّ ولا ريب، بل لو أظهر مع قيام هذه القرائن شَكًّا - لَعُدَّ أحمق، وَرَشَقَتْه سهام الملام.
وكذلك إذا وجدنا رجلًا مرموقًا، عظيم الشأن، معروفًا بالمحافظة على رعاية المروءات حاسرًا رأسَه، شاقًا جيبَه، حافيًا، وهو يصيح بالويل والثبور، ويذكر أنه أصيب بولده أو والده، وشُهدت الجنازة، ورؤي الغسَّال (?) مُشَمِّرًا يَدْخل ويخرج - فهذه القرائن وأمثالها تفيد العلم بصدق المُخْبِر وإن كان واحدًا.
واعلم أن هذه العلوم الحاصلة على حكم العادات وجدناها مترتبةً على قرائن الأحوال، وهي لا تنضبط انضباط المحدودات بحدودها (?)، وقد قلنا: إنه لا سبيل إلى جَحْدِها إذا وقعت، وهذا كالعلم بخَجَل الخَجِل، ووجَلِ الوِجل، وبَسْطِ الثَّمِل (?)، وغضب الغضبان، ونحوها مما لا يُعَدُّ ولا يحصى.